الحسين وقال له: يَا بُنيّ، احفظ هذا الكتاب واستُره، ولا يقف عليه أحدٌ من خلق الله تعالى غيرك، فقال له: فما الفائدةُ في كتمانه وقد علم به الخلق؟ ! فقال له أبوه: وما الفائدةُ في إظهاره، ومن أين تعلمُ ما يكون؟
فلما أُعيد المقتدرُ إلى الخلافة بعد يومين دخل القاضي أبو عمر عليه، فسلَّم إليه الكتاب من يده إلى يده، وحلف له أنَّه ما رآه أحدٌ من خلق الله غيرُه وغيرُ ولده، فحَسُن مَوقعُ ذلك من المقتدر.
وانصرف النَّاس من دار السلطان يوم السبت، ولمَّا كان يوم الأحد [حضر] بين يديه (?) الوزير ابنُ مُقْلَة، وكتب إلى البلاد والعمَّال بتقليد القاهر الخلافةَ كتابًا، منه بعد حمد الله تعالى: وقد اختصَّ أمير المُؤْمنين القاهر بالله محمَّد بن المعتضد بالخلافة، وأفضى إليه بالإمامة؛ لكماله، وشريفِ أفعاله، وكبيرِ فضائله، وعظيم رأفته ... وذكر كلامًا آخر.
وتقدَّم نازوك إلى الرَّجالة -ويُسمَّون المصافيَّة- بقلْع خيمهم من دار السلطان، وأمر رَجَّالته بأن يقيموا مكان المصافية، فاضطربت المصافية من ذلك، وتقدَّم إلى خلفاء الحُجَّاب والبوابين أن لا يَدخل دار السلطان إلَّا مَن كانت (?) له مَرتبة، فاضطرب الحُجَرية من ذلك وتكلَّموا فيه.
فلمَّا كان يوم الإثنين سابع عشر المحرَّم بكَّر النَّاسُ إلى دار السلطان؛ لأنَّه يومُ موكبٍ ودولة جديدةٍ، فامتلأت الدهاليزُ والرِّحابُ وشاطئ دجلة منهم، وحضر الرَّجَّالة المصافية بالسلاح يطلبون مال البيعة ورزقَ سنة، ولم ينحدر مؤنس في ذلك اليوم إلى دار السلطان، وارتفعت أصواتُ المصافية، فخاف نازوك، فوقع بينهم وبين أصحابه قتال، فبعث إلى أصحابه أن لا يعرضوا لهم، فزاد الشَّغَب من المصافية، وفتحوا الدَّهاليز يريدون الصَّحْن التسعينيّ، فلم يمنعهم أحدٌ لما كان من تَقدُّمِ نازوك لأصحابه.