في الخَلْوة، فإنَّ استعمال الأدب مع الله أولى.
وقال أبو عبد الرحمن السُّلَمي: أقام الجريري بمكةَ في سنة اثنتين وتسعين ومئتين سنةً لم يأكل ولم يَشرب ولم يَنَم، ولم يستند إلى شيء، ولم يمد رجليه، وكان مُقامه في المسجد الحرام، فقيل له: بم قَدَرْتَ (?) على هذا؟ فقال: علم الله صِدْق باطني فأعانني على ظاهري.
[وحكى عنه في "المناقب" أنَّه] قال: حَججْتُ وقَدِمتُ منزلي، فأتيتُ الجنيدَ لئلَّا يتعنَّى [لزيارتي]، فسلَّمتُ عليه ثم انصرفتُ، فلمَّا كان في اليوم التالي صلَّيتُ الفجر في المسجد، فلمَّا سلمتُ إذا بالجنيد خلفي، فقلتُ: يا أبا القاسم، إنَّما بدأتُ بك أمس لئلَّا تتعنَّى، فقال: ذاك فضلُك وهذا حقك.
[وحكى عنه أيضًا أنه] قال: كنتُ في مسجد مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فانكسَفَ القمرُ ليلةَ جمعة، فنظرتُ فإذا به أسودُ، مكتوبٌ في وسطه بالنور: أنا الله وحدي، فغُشِيَ علي حتى أصبحتُ.
وقال لأصحابه: هل فيكم مَن إذا أراد اللهُ أنْ يُحدِثَ حدثًا في المملكة أبدى علمه إليه قبل إبدائه إلى الكون؟ قالوا: لا، قال: فمُروا وابكوا على قلوبٍ لم تَجِد من الله شيئًا من هذا.
وقال: مَن رَضِيَ بدون قَدْره رفَعَه الله فوق غايته.
وقال: عَبيدُ النِّعم كثيرٌ، وعبيدُ المنعم يَعِزُّ وجودُهم.
وقال في تأويل قوله تعالى: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] قال: سامعين من الله، قائلين بالله.
وقال: إن الذي يقرأُ القرآن لينال بقراءته جزاءً، ثم أعطي الجنة فقد رضي بالقليل؛ لأن الجنة مَخلوقةٌ والقرآن قديم.
وقال: مَن تحلَّى بشاهد الحقِّ عُصِمَ، ومَن تحلَّى بشاهد نفسه قُصِمَ.