وقال إبراهيم لجماعةٍ عنده: مَنْ تعدُّون الغريبَ في زمانكم؟ فقال بعضهم: مَن نأى عن وطنه، وقال آخر: مَن فارق أحبابَه، وقال كلُّ واحد شيئًا، فقال إبراهيم: الغريب في زماننا رجلٌ صالحٌ يعيش بين قومٍ صالحين، إن أمر بالمعروف آزروه، وإن نهى عن المنكر أعانوه، وإن احتاج إلى سبب من الدُّنيا مانوه، ثمَّ ماتوا وتركوه. [وحكى الخطيب قال: ] جاءه يومًا رجل ومعه أولادُه، فقال له إبراهيم: احذر، لا يرونَك حيث نهاك الله، فتسقط من أعينهم.
وقال محمَّد بن عبد الملك (?) الكاتب: كنتُ عند أبي العبَّاس المبرّد، فأنشد يقول: [من البسيط]
جسمي معي غير أنَّ الرّوح (?) عندكمُ ... فالجسمُ في غُربةٍ والرّوح في وَطنِ
فلْيَعْجب النَّاسُ منِّي أنَّ لي بَدَنًا ... لا روحَ فيه ولي روحٌ بلا بَدَنِ
قال: ومضيتُ إلى ثعلب فأنشد: [من السريع]
غابوا فصار الجسمُ من بعدهمْ ... لا تَنظرُ العينُ له فيَّا
يا خَجْلَتي منهم ومن قولهمْ ... إذا رأوني بعدهمْ حيّا (?)
فأتيتُ إبراهيم فأخبرتُه، فقال: ألا أنشدتَهما: [من الخفيف]
يا حَيائي ممَّن أحبُّ إذا ما ... قيل بعد الفِراق إني حَييتُ
ذكر وفاته:
[حكى الخطيب عن] عيسى بن محمَّد الطُّوماري قال: دخلْنا على إبراهيم في مرضه نعودُه وقد حَملت الجاريةُ ماءَه إلى الطبيب، فعادت بالماء وقالت: مات الطبيب، فبكى إبراهيم وقال: [من الوافر]
إذا مات المُعالِجُ من سَقامٍ ... فيوشكُ للمُعالج أن يموتا