وحكى أيضًا عن سريّ قال: ] (?) بدوت يومًا وأنا وحدي (?)، فجنَّ عليَّ الليل وأنا بفناء جبل لا أنيسَ به، ووقتي طيبٌ، فناداني منادٍ: لا تجولُ القلوب فِي الغيوب حتَّى تذوبَ النفوسُ من مخافة فوتِ المحبوب، [قال: ] فعجبتُ وقلت: جِنِّيٌّ يخاطبُني أم إنسيّ؟ ! فقال: بل جِنِّيّ، ومعي إخواني (?)، ونحن مؤمنون بالله، ومحبُّون له، [قال: ] قلت: فهل عندهم ما عندك؟ قال: نعم وزيادة، فناداني الثاني: لا تذهبُ من البدن الفترة إلَّا بدوام القربة (?)، ثمَّ قال الثالث: من أنس به فِي الظلام لم يبقَ له بغيره اهتمام، [قال: ] فصعِقتُ، فما أفقتُ إلَّا برائحة الطيب، وإذا بنرجسةٍ على صدري، فقلت: وصية رحمكم الله، فقالوا: من اتبع طبيبًا مريضًا دامت علَّتُه، ومن طلب شفاه من غير من ابتلاه طالت شقوته، ثمَّ سكتوا، فلا أزالُ أجدُ بركةَ كلامهم فِي خاطري.

[وحكى أيضًا عن سريٍّ قال: ] رأيتُ فِي بعض جبال الشام ثلاثةً، لباسُهم الصوف، ووجوهُهم تشرق، فسلَّمتُ عليهم، فردُّوا وقالوا: وعليك السلام يا سريّ، فقلت: من أين [تاكلون]؟ فقال واحدٌ منهم: من زهرة رياض الأُنس، قلت: بمن؟ قال الثاني: بالحبيب ذي المواهب، قلت: فما كنتم تصنعونَ فِي تلك الزهرة؟ فقال الثالث: نشربُ بكؤوس الوجد، قلت: فما استفدتم؟ فقال الأول: انحسر عنَّا ظلامُ الغفَلات، وقال الثاني: فخرجنَا إلى النور بعد الظُّلمات، وقال الثالث: وأعطينا مفاتيحَ الكنوز، وصرنا عليها مأمونين، وفي رياض الملكوت متنزهين.

ثمَّ حرَّكَ أحدُهم شفته، فإذا بمائدةٍ من السماء [قد نزلت علينا]، عليها من كلِّ لون، فقلت: سبحان المكرم لأوليائه، فقالوا: إن كنتَ وليًّا لله فتقدَّم وكُلْ، فقلت: أنا أحقرُ من ذلك، فجلسوا يأكلون، وإذا بفتيان قد انحدروا من الجبل، وجلسُوا يأكلونَ معهم، فنظرُوا إليَّ وأنا ناحية أبكي، فقال واحدٌ منهم: ما بالُ البطَّال لا يحيرُ جوابًا؟ ثم قال: ويحك يا ابن المغلّس، هلَّا جلستَ فِي أفنية أهل الصدق، وحططتَ رحلَك فِي رحال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015