يطاوله، حتى أغلق بُغَا الأبواب كلَّها، إلَّا باب الماء.
[وقال الصولي: لمَّا كانت ليلةُ الأربعاء لثلاثٍ خلون من شوال سنة سبعٍ وأربعين ومئتين، وكان المتوكِّلُ على تلك الحالة في قصره المعروف بالجعفريّ، وعنده الفتح بن خاقان وجماعةٌ من المغنين، فقال لبعضهم: غنِّي، فغنَّى هذه الأبيات: ] (?) [من الكامل]
يا عاذليَّ من الملام دعاني ... إنَّ البليَّة فوق ما تصفانِ
زعمتْ بثينةُ أنَّ رحلَتنا غدًا ... لا مرحبًا بغدٍ فقد أبكاني (?)
فتطيَّر المتوكلُ من هذا، وقال: ويحك، كيف وقعَ لك هذا، غيِّره، فذهبَ ليغيِّرَهُ بغيره فأعاده. [وأقام المتوكل في مجلسه إلى ثلث الليل] (?).
ودعا المتوكِّلُ بطعامٍ، وكان بُغا الشرابيُّ قائمًا عند الستر، وكانت نوبتُه في تلك الليلة (?)، فقال للندماء: انصرفوا، فقال الفتح: ليسَ هذا وقت انصرافهم، فقال بغا: قد شرب أميرُ المؤمنين كثيرًا، فأخرجهم، ولم يبقَ إلَّا المتوكِّل والفتح بن خاقان وأربعةٌ من الخدم، شفيع، وفرج الصغير، ومؤنس، وأبو عيسى (?)، ودخل القوم الذين عَيَّنوا قتلَه من باب الماء (?)، وهم باغر وبغلون وموسى بن بغا وهارون بن صوارتكين، فلمَّا رأى المتوكل السيوف مسلَّلة قال: ما هذا؟ قيل أصحاب النوبة، ورجع القومُ لمَّا سمعوا كلام المتوكِّل، فقال لهم بُغَا: ويحكم، أنتم مقتولون لا محالة، فموتوا كرامًا، فرجعوا إلى المجلس، فابتدره بغلون، فضربه على كتفه وأذنه فقدَّه، فقال: مهلًا، قطعَ الله يدك، وأراد الوثوبَ، فاستقبلَه فأبان يده، وشركه باغر. وقيل: أول من ضربه باغر على عاتقه، فنزل السيفُ إلى خاصرته، ثم ثناه.