يكُ شيئًا، ثمَّ صيَّرتَهُ حشيشًا، ثم جعلتَه عودًا قائمًا، ثم رَكَّبتَ عليه حبًّا متراكبًا، وكَوَّنته بتكوينك، وأنتَ على كلِّ شيءٍ قدير، ثم قالت: عجبتُ لمن هذه قدرته كيف يُعْصَى؟ ! ولمن هذه صنعتُه كيف لا يُطَاع؟ ! ولمن هذه مشيئته كيف يشتكى؟ ! فدنوتُ منها وقلت: من يشكو؟ قالت: أنتَ يا ثوبان، إذا مرضتَ فلا تشكُ علَّتكَ إلى مخلوقٍ مثلك، واطلب دواءك ممن ابتلاك، ثمَّ ولَّت وهي تقول: لا حاجةَ لي في مناظرة البطَّالين، وأنشدت: [من الطويل]

وكيف تنامُ العينُ وَهْي قريرةٌ ... ولم تدرِ في أيِّ المحلَّين تنزلُ (?)

وقال: بينا أنا أسيرُ في جبال بيتِ المقدس في ليلةٍ مظلِمةٍ، إذ سمعتُ صوتًا حزينًا وبكاءً عاليًا، وهو يقول: يا وحشتي بعد الإنس، ويا فقري بعد الغنى، ويا ذلّي بعد العزّ، فتتبعتُ الصوتَ، فلمَّا طلعَ الفجرُ إذا شابٌّ ناحلُ الجسم، فسلَّمتُ عليه وقلت: ما الذي بك؟ قال (?): [من المديد]

أنا لم أرزق مودَّتهُم ... إنَّما للعبدِ ما رُزِقا

كان لي قلبٌ أعيشُ به ... فرمَاه الحُبُّ فاحترقَا

فقلت: تنتحلُ المحبَّة، وذلك إرادة، وأنشدتُه: [من مجزوء الكامل]

إنَّ المحبَّ هو الصبو ... رُ على البلاءِ لمن أحبَّهْ

حبُّ الحبيب هو الدوا ... ء مع الشفاءِ لكلّ كُرْبَهْ

فبكى وغاب عني.

وقال سعيد بن عثمان: بينا أنا أسير مع ذي النون في تيهِ بني إسرائيل، إذا نحن بشخصٍ قد أقبل، فقال لي ذو النون: تأمَّل هذا الشخص، فتأملتُه، فإذا هو امرأة، فقال: صدِّيقة وربّ الكعبة، ثمَّ بادرها بالسلام، فردَّت وقالت: ما للرجال وخطاب النساء؟ !

فقال: أنا أخوك ذو النون، ولست من أهل التُّهم، ما الذي حملك على دخول هذا المكان؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015