وقال الخطيب: كان أحمدُ ينكر على الحارث خوضَهُ في علوم الكلام، ويصدُّ الناس عنه (?).

وهجرَه أحمد فاختفَى في دارٍ ببغداد، فماتَ فيها ولم يصلِّ عليه إلَّا أربعة نفر (?).

قال المصنِّف رحمه الله: وكان الذي ينكره الإمام أحمد عليه كلامَه في الأصول، أمَّا غيره من علوم الحقائق (?). والإمام أحمد رحمه الله ماتَ قبل الحارث بمدَّةٍ على ما ذكرنا.

وقال الحارث: جلستُ ليلةً في محرابي، فإذا بفتًى من أحسن الناس وجهًا، طيِّبِ الرائحة، فسلَّمَ عليَّ وقعدَ بين يديّ، فقلت: من أنت؟ فقال: واحدٌ من السائحين، أقصد المتعبدين في مَحاريبهم (?)، ثم قال: ما أرى لك اجتهاد، فإيش عملك؟ فقلت: كتمانُ المصائب واجتلاب الفوائد، فصاح صيحةً عظيمةً وقال: ما أظنُّ أحدًا بين جنبي المشرق والمغرب بهذه الصفة، فأردتُ أن أزيدَه فقلت: أما علمتَ أنَّ أربابَ الأحوال يتحمَّلون الأثقال ويكتمون الأسرار، فصاح صيحةً أخرى وغُشِيَ عليه، فلمَّا أفاق قام فدخل على المأمون، فقال: من أنت؟ فقال: رجلٌ من السياحين [فكرت فيما عمل الصدِّيقون قبلي] (?) فلم أر موعظةً أفضل من موعظة جبَّارٍ ظالم، وأنت والله ظالمٌ، وأنا ظالمٌ إن لم أقل لك: يا ظالم، فأمرَ به المأمونُ فقتل، قال: فبتُّ محزونًا عليه، فرأيتُه في المنام، فقلت: والله لمحزون عليك، فقال: والله يا حارث أتيت (?) والله الكاتمين الذين يخفون أحوالهم، ويكتمونَ أسرارهم، فقلت: وأين هم؟ قال: الساعة يتلقونك، وإذا بركبان، فقالوا: يا حارث، أمَّا السائحُ فقد بذل نفسَه لله في الجهاد، فأنزله الله معنا، وأما الذي قتلَه فقد غضبَ الله عليه.