فيها أظهر المتوكِّل رحمه الله السنَّة، وتُكُلِّمَ بها في مجلسه، ورَفَعَ القولَ بخلق القرآن والمحنةَ، وكتب به إلى الآفاق، ونصرَ أصحابَ الحديث، واستقدمَ العلماء والفقهاء والمحدِّثين إلى سرَّ من رأى، فكان فيهم مُصعب الزبيريّ، وإسحاق بنُ أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبد الله (?) الهرويّ، وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة، ومحمدُ بن عبد الملك بن أبي الشوارب، فقُسِّمت فيهم الجوائز، وأُجرِي عليهم الأرزاق، وأمرهُم أن يجلسوا للناس، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الردُّ على المعتزلة والجهمية وأحاديثِ الرؤية، فجلسَ عثمانُ بن أبي شيبة في مدينة المنصور على منبر، فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألفًا، وجلس أبو بكر بن أبي شيبة بجامع الرُّصَافة، فاجتمع إليه مثل ذلك.
وقال ابنُ أبي الشوارب: استأذنتُ المتوكِّلَ في الرجوع إلى البصرة، ووددِتُ أنِّي لم أكن استأذنتُه؛ كنتُ أكونُ في جواره، فقيل: ولم؟ قال: اشهدوا عليَّ أنَّني قد جعلتُ دعائي في المشاهد كلِّها للمتوكِّل، وذلك أنَّ صاحبَنا عمر بن عبد العزيز جاءَ اللهُ أبه، فرَدَّ المظالمَ، وجاء الله بالمتوكِّل فردَّ الدين (?).
وقال الصوليّ: لمَّا رَفَعَ المتوكِّلُ القولَ بخلق القرآن، وأَحيى السنَّة، قال الناس (?): الخلفاءُ ثلاثة؛ أبو بكر - رضي الله عنه - قاتلَ أهلَ الردَّة حتى أذعنوا، وعمرُ بن عبد العزيز حين ردَّ المظالمَ التي أخذها بنو أميَّة، والمتوكِّلُ فإنَّه أَحيى السنَّة وأماتَ البدعة.
وفيها (?) جرت قصَّةُ محمد بن البعيث بسرَّ من رأى، فهربَ إلى أَذْرَبيجان، ومقرُّه