ابن أبي دؤاد شيخٌ من الشام من أهل أذنة، فَأُدْخِلَ على الواثق مقيَّدًا فإذا هو جميلُ الوجهِ، حسنُ الشيبة، فرأيتُ الواثقَ قد رقَّ له، وما زال يدنيه حتى قَرُبَ منه فسلَّم فأحسن، ودَعَا فأبلغَ وأوجزَ، فأمَره بالجلوس وقال له: ناظر ابن أبي دؤاد، فقال: إنَّه يصبو (?) أو يضعفُ عن المناظرة، فغضبَ الواثقُ، ثمَّ قال الشيخُ لابن أبي دؤاد: يا أحمد، أخبرني عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حينَ بعثه الله إلى الخلائق، هل ستَر شيئًا ممَّا أمره به؟ قال: لا، قال: علم بمقالتك هذه أو جهلها؟ قال: بل علمها، قال: فهل دعا الناس إليها. [فسكت] (?)، قال: وكذا علمها الخلفاءُ الراشدون؟ قال: نعم، قال: فهل دعي الناسُ إليها؟ فسكت، فقال الشيخ: إنْ لم يسعنا في هذه المقالة ما وسعَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعدَه، فلا وَسَّع الله علينا، فأمرَ بفكِّ قيده فأراد الحدادُ ليأخذه، فقال الشيخ: لا والله، أنا أحق به، فقال له الواثق: فما تصنعُ به؟ قال: أجعلُه في كفني لأخاصمَ به هذا الظالم يوم القيامة، وأشار إلى ابن أبي دؤاد، [أقول: يا رب، سل عبدك هذا، لم] (?) روعني وأزعجني وأزعج أولادي وإخواني بغير حق؟ ثمَّ بكى، وبكى الواثق وقال له: اجعلني في حلٍّ فقال: والله جعلتُك في حلٍّ من أوَّل يوم إكرامًا لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ كنتَ من أهله، قال: ألكَ حاجة؟ قال: نعم، تجعل سراحي إلى أهلي وولدي، فقال له: إنْ رأيتَ أن تقيمَ عندنا ننتفع بك وتنتفع بنا، فقال: لا، بل أروحُ إلى أهلي، قال: فتقبلُ منا صِلَةً تستعينُ بها، قال: أنَا عنها في غنى، ثمَّ قام، وخرج إلى السفر، فقال المهتدي: فرجعتُ عن هذه المقالة، وأظنُّ أن الواثقَ رجعَ عنها من ذلك اليوم.
وقال (?) ابن أكثم: دخل عبَّادة المؤنَّث (?) على الواثق، وكان عبَّادة ظريفًا ينادمُ الخلفاء، وله نوادر [مضحكة]، فقال: يا أمير المؤمنين أحسنَ الله عزاءك، قال: فيمن؟ قال: في "قل هو الله أحد" (?)، فقال: ويحكَ، وكيف تموت؟ ! قال: لأنَّه مخلوق،