الأخلاق كريم النفس (?)، فأقرَّ له الشعراءُ بالفضل والتقدُّم.

وقال عليُّ بن الجهم: كان الشعراءُ يجتمعون في كل جمعة في القبَّة المعروفة بهم بجامع المنصور ببغداد، فيتناشدون الأشعار، ويعرض كلُّ واحدٍ ما أحدثَ من القول، فبينا أنا في بعض الجُمَع، ودِعبل وأبو الشيص وابن أبي فَنَن، والناسُ يسمعونَ إنشادَ بعضنا لبعض، أبصرتُ شابًّا في أُخريات الناس جالسًا في زيِّ الأعراب، فلمَّا قطعنا الإنشاد قال لنا: قد سمعتُ إنشادكم منذ اليوم، فاسمعوا إنشادي، وأنشد قصيدة يقول في أوَّلها: [من البسيط]

فَحْواك عينٌ على نَجواك يا مَذِلُ ... حتَّام لا ينقضي من قولك الخَطِلُ (?)

ما أقبلَتْ أوجُهُ اللذَّات سافرةً ... مُذْ أدبرَت باللِّوى أيامُنَا الأُوَلُ

إنْ شئتَ أن لا ترى صبرًا لمصطبرٍ ... فانْظُر على أيِّ حالٍ أصبحَ الطَّلَلُ

كأنَّما جادَ مغناهُ فغيَّره ... دموعُنا يومَ بانُوا وَهْيَ تنهملُ

ولو ترانا وإيَّاهم وموقِفَنا ... في مأتم البين لاستِهلالنا زَجَلُ

من حُرْقَةٍ أطلقتها فُرقَةٌ أسرَتْ ... قلبًا ومن عذله في إثره عَذَلُ (?)

ثم مرَّ فيها حتَّى بلغ قولَهُ:

تغايرَ الشِّعر فيه إذ سهرتُ له ... حتَّى ظَننتُ قوافيه ستَقتتلُ

وأنشدَها (?)، فقلنا: زدنا، فأنشد: [من الكامل]

دمنٌ ألمَّ بها فقال سلامُ ... كم حَلَّ عقدةَ صبرِه الإلمامُ (?)

فأنشدها إلى آخرها، فقلنا: لمن هذا الشعر؟ فقال: لمن أنشدَكُموه، فقلنا: ومن أنت؟ قال: أبو تمام حبيب بن أوسٍ الطائيّ، فقال له أبو الشِّيص: تزعمُ أنَّ هذا الشعر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015