عندها، والخضر لقب له، وسنذكر اسمه بعد هذا، {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [الكهف: 63] لأنه هو السبب.
وقال مقاتل: وجد الخَضِر نائمًا على وجه الماء على طِنْفِسةٍ خَضْرَاءَ، وهو المراد بما ذكر في الحديث على وجه الماء، أي: وسطه، فسلَّم موسى عليه فقال: وعليك السلام يا نبيَّ بني إسرائيل، فقال موسى: ومن أخبرك بي؟ فقال: الذي دلَّك عليَّ، ومن قال الخضر كان نبيًا يقول أوحي إليه ذلك.
فإن قيل: فلمَّا ذهب إلى الميقات أقام أربعين ليلةً لم يأكل، ويجوعُ نصفَ يوم فيقول آتنا غداءنا؟ فالجواب: إنَّ في ذهابه إلى الميقات كان وعدُ الانتظار يشغله عن الطعام والشراب، وفي سفر الخَضِر معلمًا فكان سفر تأديب فجاع.
{آتَيْنَاهُ رَحْمَةً} [الكهف: 65] أي: نعمة {مِنْ لَدُنَّا} أي: من علم الغيب {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} أي: صوابًا، وهذا تحريض على طلب العلم والتواضع {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)} أي: لن تطيق لأني أعلم علم الغيب وأنت لا تعلمه، فتنكر ظاهر ما ترى ولا تعلم الباطن، وهذا معنى قوله: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}.
فإن قيل: فَمَا صَبَرَ؟ قلنا: ظاهر الشرع أوجب له الإنكار عليه، وقد قيَّد الله صبره بالمشيئة، فلما ركبا في السفينة قال أهلها: هؤلاء لصوص أخرجوهم، فقال صاحبها: ما هم بلصوص ولكني أرى وجوه الأنبياء، فأخذ الخَضِر فأسًا فقطع لوحًا منها، وكانوا في اللُّجَّة، فحشا موسى موضع اللوح بثوبه وقال: {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} أي: منكرًا {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)}.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "كانت الأولى من موسى نسيانًا" (?) ولهذا قال: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} حتى رأى غلامًا فقتله، قال مجاهد: كان اسم الغلام خشن بُود (?) واسم أبيه ملاس وأمه رحمى (?)، ولم يبلغ الحلم، قالوا: ومع هذا فكان يقطع الطريق ويفسد في