تمشي المنونُ إلى غيري فأكرهها ... فكيف أسعَى إليها بارزَ الكتفِ

أم هل حسبتِ سوادَ الليل شجَّعني ... أو أنَّ قلبيَ في جَنْبَي أبي دُلَفِ

فبلغ أَبا دُلَفٍ هذا الشعرُ فبعثَ إليه بأربعة آلاف دينار، جاءته على بغتة.

وقال الأصمعيُّ: دخلَ أبو دُلَفٍ يومًا على المأمون وقد نَصَلَ خصْابُه، وعنده جاريةٌ، فغمزَها عليه، فقالت له: شبتَ يَا أَبا دُلَف، واسترتجعَت، فأعرض عنها، فقال له المأمون: ألا تجيبُها، فأطرقَ ساعةً ثم رفعَ رأسه وقال: [من البسيط]

تَهزَّأت أن رأتْ شيبي فقلتُ لها ... لا تهزئي من يَطُل عمرٌ به يَشبِ

شيبُ الرجال لهم زينٌ ومكرُمةٌ ... وشيبكُنَّ لكنَّ العارُ فاكتئبِي

فينا لَكُنَّ وإن شيبٌ بدأ أربٌ (?) ... وليس فيكنَّ بعد الشيبِ من أربِ (?)

واجتمعَ الشعراءُ بباب أبي دُلَف، ولم يكن عنده مالٌ، فحجبَهم حياءً منهم، واعتذر إليهم، فكتبوا: [من الخفيف]

أيُّهذا العزيزُ قد مسَّنا الدَّهـ ... ـر بضُرٍّ وأهلُنا أشتاتُ (?)

وأبونا شيخٌ كبيرٌ فقيرٌ ... ولدينا بضاعةٌ مُزجَاةُ

قلَّ طُلَّابها فبارَتْ علينا ... وبضاعتُنا بها التُرَّهاتُ

فاغتنم شكرنَا وأوفِ لنا الكَيـ ... ـلَ صدِّق (?) فإنَّنا أمواتُ

فقال: أبوا أنْ يضربوا وجهي إلَّا بسورة يوسف، فدعا بهم وقال: والله ما معي درهم، وأنا معكم كما قيل: [من الوافر]

لقد أُخبرتُ أن عليك دينًا ... فزد في رقم دينك واقضِ ديني

يَا غلام، اقترض لهم عشرين ألفًا بأربعين ألفًا، فأخذوها وانصرفوا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015