استخلفه {وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 150] بعبادة العجل. فلما ظهر لموسى عذره {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ} [الأعراف: 151] الآية.

وقال ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ} [طه: 85] أي: ابتليناهم واختبرناهم وكانوا ست مئة ألف، فافتتن منهم عشرة آلاف. وقيل: كلهم عبدوه إلا عشرة آلاف ثبتوا مع هارون، ولهذا قال: {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} لأنهم كانوا الجمَّ الغفير. ولما عاتبهم موسى {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} أي: ونحن نملك أمرنا {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} أي: من حُلِيِّ [آل] فرعون، فجمعناها ودفعناها إلى السامريِّ، فألقاها في النار أو في الحفيرة لترجع فترى فيها رأيك، ففعل ما فعل.

وقال ابن عباس: كان هارون قد مرَّ على السامريِّ وهو يصوغ العجل، فقال: ما تصنع؟ فقال: ما يضرُّ ولا ينفع، فقال: اللهم ارزقه ما سأل، فكان كما قال هارون. فنهاهم هارون عن عبادته فقالوا: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] أي: مقيمين. فلما عاد موسى سمع الصياح والجلبة، وهم يرقصون حول العجل، فقال: ما هذا؟ فقيل له: صوت الفتنة، فقال: {يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا} أي: أخطأوا، ألا تبعت أمري وقبلت وصيتي أو فارقتهم {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 92 - 93] فراجعه بقوله: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ}.

فإن قيل: فهارون أخوه من أبيه وأمه، فلِمَ كرَّر قوله: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ} فالجواب من وجوه:

أحدها: أنه أراد استعطافه وترقيقه، قاله الكلبي.

والثاني: أنه قد قيل: إنه كان أخاه لأمه.

والثالث: فلأن الولد من الأم من جهة الحقيقة ومن الأب من جهة الحكم.

وإنما خصَّ اللحية والرأس بقوله: {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} لأنهما عضوان يقصد بهما الإكرام من دون سائر الأعضاء {إِنِّي خَشِيتُ} إن أنكرت عليهم أن يصيروا حزبين يقتل بعضهم بعضًا {أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: 94] أي: لم تراقب وصيتي حين قلت: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015