في حقِّ الكفار: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: 95] ثم حكى عنهم أنهم يتمنونه بقولهم: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] وقال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وقد يدخل الجنة من لا ينفق مما يحب.
وقال أهل المعاني: لما أراد موسى الذهاب إلى الميقات جعل بين ربه وقومه واسطةً بقوله لأخيه هارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [الأعراف: 142] فلما سأل الرؤية جعل الله بينه وبينها واسطة وهو الجبل، فكأنه يقول: إن لم أصلح لخلافتك في قومك دون أخيك فكذا أنت لا تصلح لرؤيتي دون استقرار الجبل.
وقال سهل بن سعد الساعدي: أظهر الله نورًا بقدر الدرهم من سبعين ألف حجاب فصار الجبل دكًا.
وقال أبو بكر الورَّاق: فَعَذُبَ إذ ذاك كلُّ ماء، وأفاق كل مجنون، وبرأ كل مريض، وزال الشوك عن الأرض، واخضرت الدنيا، وخمدت نيران المجوس، وخرَّت الأصنام سجدًا.
وقال سفيان: ساخ الجبل حتى وقع في البحر، فهو يذهب معه تحت الأرض فلا يظهر إلى يوم القيامة.
ومعنى قوله: {تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] من الانبساط على بساط القرب.
{قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144] أي: على من تقدمك من الأنبياء الذين أوحيت إليهم برسالاتي وبكلامي، لا على من يأتي بعدك وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنه شاركه في الكلام وزاد عليه بالنظر.
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن نصر بإسناده عن أبي هريرة عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت بَنُو إِسرائيلَ تَغتَسِلَ عُراةً ينظُرُ بَعضُهم إلى بَعضٍ - أو إلى سوءَةِ بعض- وكانَ مُوسى يَغتَسِلُ وحدَهُ، فقالوا: والله ما يَمنعُه أن يغتَسِلَ معنا إلا أنه آدَرُ. قال: فذهبَ مرةً يغتسِلُ فوضَعَ ثَوبَه على حَجرٍ ففرَّ الحَجرُ بِثوبِهِ فَجَمحَ مُوسى في أَثرِهِ يَقول: ثوبي حجرُ، ثوبي حَجرُ، حتى نَظرتْ بنو إسرائيلَ إلى سَوءتِهِ، فقالوا: واللهِ ما بمُوسى من بَأسٍ،