قلت: ولم يذكر أحمد بن حنبل أنه ضعيف (?)، ولا ابن أبي العوجاء، ويكره تصحيح الحديث بأن يحمل قوله (?).

وروى الوالبي عن ابن عباس قال: لما قال موسى: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} كشف الله تعالى الحجاب عن الجبال، وأبرز له جبل قاف وقال له: انظر، فنظر فإذا مئة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفًا عليهم العباء محرمين ملبِّين، كل منهم يقول: {أَرِنِي}.

وقال أبو حنيفة بن النُّوبي: رأى ثمانية عشر ألف عالم يقولون: {أَرِنِي}.

فإن قيل: فكيف أقدم موسى على طلب الرؤية؟ فالجواب من وجوه:

أحدها: أنه لما سمع الكلام وطاب له طار قلبه شوقًا إلى المتكلم، ولما رأى التكليم يُبْدأ قبل السؤال قال لسانُ طَمَعِهِ: لا عَتْبَ عليَّ إذا سألت من ابتدأني بالتفضل.

والثاني: لأنَّ كلَّ جارحةٍ منه أحسَّتْ بحظها من الكلام، فطمعتْ عيناه في نصيبها وقال: هذه لذة الكلام فكيف لذة النظر؟

والثالث: لأن طبع المحبِّ الترقي من حال إلى حال أرفع منها، فلما حصل على الكلام طلب ما هو أعلى.

والرابع: ليتميزَ على من تَقَدَّمه من الأنبياء فيجمع بين الكلام والنظر.

والخامس: لأنه لما ناجى الله تعالى وسوس إليه إبليس وقال: إن الذي يناجيك شَيطان. ولهذا روي عن الفضيل بن عياض أنه قال: جاء إبليس وموسى يناجي ربه فوقف قريبًا منه فقال له بعض الملائكة: يا ملعون، ما الذي ترجو منه في هذا الوقت؟ قال: ما رجوتُ من أبيه آدم، فقال: {أَرِنِي} ليزول الوسواس.

والسادس: أنه سكر من شراب الكلام، والسكران لا يفيق من خماره إلا بشربة ثانية كما قيل (?):

تداويت من ليلى بليلى عن الهوى

قال: {قَالَ لَنْ تَرَانِي}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015