فبلغت نفقتُها في ستِّين يومًا أربعةً وخمسين ألفَ ألفِ درهم، فرفع إليها وكيلُها (?) حسابَ النفقة، فنهته عن ذلك وقالت: ثوابُ اللهِ بغير حساب.
وحبس وكيلُها رجلًا كان ينظر في ضِياعها، قد أَخذ من مُغَلِّها مئتَي ألفِ درهم، فشفع فيه الفيضُ بن أبي صالح، فلم تشفِّعْه وقالت: لا بدَّ من المال، وكان الفيضُ قد أتى إلى بابها، فلما مَنعتْ، أخذ الدَّواة وكتب إلى وكيله يحمل ما على الرَّجل إلى ديوانه (?)، وكتب إليها صاحبُ الخبرِ بذلك، فقالت: نحن أَوْلى من الفيض بهذه المَكْرُمة، أَطلِقوا له الرَّجل، ولم تأخذْ منه شيئًا.
[وقد ذكرنا اجتماعَ المأمونِ بزبيدةَ وما جرى له معها لمَّا دخل بغداد] (?).
و[قال الصُّولي: ] دخل المأمونُ يومًا على أمِّ جعفرٍ وعلى رأسها جاريةٌ من جواري الأمينِ مُغنِّية، فعرفها [المأمون] فقال: غنِّي، فقالت: أَبعدَ مولاي! فأشارت إليها زُبيدة: غنِّي، فغنَّت: [من الطويل]
همُ قتلوه كي يكونوا مكانَه ... كما غدرتْ يومًا بِكسرى مَرَازِبُهْ
فإلَّا تكونوا قاتِلِيه فإنَّه ... سواءٌ عليه ما سِكُوه وضارِبُهْ
فتغيَّر وجهُ المأمون، فقالت زُبيدة: واللهِ ما علمتُ ما في ضميرها، فصدَّقها، وعجب من هذا الاتِّفاق، فتطيَّر وأَيقن بالموت وقُربِ الأجل، فخرج إلى بلاد الرومِ ولم يعُدْ إلى بغداد.
[وهذا الشِّعر للوليد بن عُقبة في عثمان - رضي الله عنه -، وقد ذكرناه فيما تقدَّم، إلَّا أنَّ فيه زيادةً ذكرها الصُّولي، وهي أنَّ المأمون لم يَعُدْ إلى بغداد] (?).
وكانت وفاة زبيدة في جمادى الأولى هذه السنة، ودفنت بمقابر قريش.