قد حججنا في ذلك العام، فلما أتينا منزلَ عبدِ الرزاق وكان بقريةٍ يقال لها: الرَّمادة، وتخلَّف يحيى بنُ معين، فلما جئت منزلَه ذهبت لأدقَّ الباب، فقال لي رجل: لا تدقّ؛ فإنَّ الشيخ مَهيب.
فجلستُ من العصر إلى المغرب، فخرج، فقمتُ إليه وفي يدي أحاديثُ قد انتقيتُها، فسلَّمت عليه وقلت له: حدِّثني بهذه الأحاديثِ فأنا رجلٌ غريب، فقال: مَن أنت؟ قلت: أحمدُ بن حنبل، قال: أبو عبدِ الله؟ قلت: نعم، فضمَّني إلى صدره، وصلَّى المغرب، وقرأتُ عليه الأحاديث، فسلَّم إليَّ مفتاحَ البيت الذي فيه كتبُه وقال: أنت أمينُ اللهِ على هذه الكتب، فهذا بيتٌ ما دخله غيري منذ ثمانين سنة.
قال الإمامُ أحمد رحمةُ الله عليه: فكتبتُ عنه ثلثي العلم، وجاء ابنُ معينٍ وأبو خيثمة، فأنزلنا وأكرمنا، وخصَّني من دونهم ببيته الذي فيه الكتب، وكان قد كتب إليه أصحابُه من مكَّة: قد قدم عليك الحفَّاظ، فانظر كيف تكون.
وكان عبدُ الرزاق يقول: كتب عني ثلاثةٌ لا أبالي مَن لا يكتب عني غيرَهم: أحمدُ بن حنبل، وابنُ معين، والشاذَكُوني، فأحمد أزهدُ الناس، وابن مَعينٍ أَعرفُهم بالرجال، والشاذكونيُّ أحفظُ الناس.
[وروى الحافظ ابنُ عساكر عن] (?) فيَّاض بن زهيرٍ النَّسائي قال (?): قدمنا على عبد الرزَّاق، فامتنع علينا، فتشفَّعنا إليه بامرأته، فلمَّا دخلنا عليه قال: تشفَّعتم إليَّ بمن يبيت معي في فراشي! ثم أنشد: [من البسيط]
ليس الشفيعُ الذي يأتيك متَّزرًا ... مثلَ الشفيعِ الذي يأتيك عُريانا (?)
[وفي روايةٍ (?) أنَّه قال لهم: أما سمعتم قولَ عمرو بن معدي كَرِب: [من الوافر]
إذا لم تستطعْ أمرًا فدعْهُ ... وجاوزْهُ إلى ما تستطيعُ
وحدَّثنا غيرُ واحدٍ عن إسماعيلَ بن أحمدَ بإسناده إلى إبراهيمَ بن عبدِ الله بن همامٍ