ثم أخذ في الحديث، وغمز المأمونُ إسحاق، فجعل العتابيُّ لا يأخذ في شيءٍ إلَّا وعارضه فيه إسحاق، فبقي العتَابي متعجِّبًا، وقال: يَا أميرَ المُؤْمنين، أتأذن لي في مسألة هذا الشيخ؟ قال: نعم، فقال لإسحاق: يَا شيخ، مَن أَنْتَ؟ وما اسمُك؟ فقال: أنا من النَّاس، واسمي: كُلْ بَصَل، فتبسَّم العتابيُّ وقال: أما النَّسَبُ فمعروف، وأما الاسم فمُنكَر، فقال له إسحاق: [ما أقلَّ إنصافَك، أتُنكر أن يكونَ اسمي: كُلْ بَصَل] (?) وما تُنكر اسمك كُلْ ثوم! وما كلثومُ في الأسماء! أو ليس البَصَلُ أطيبَ من الثوم! فقال العتَّابي: لله دَرُّك ما أفصحَك وأرجحك (?)، أتأذن لي يَا أميرَ المُؤْمنين أن أصلَه بما وصلتَني به؟ فقال له المأمون: بل ذلك موفَّرٌ عليك، ونأمرُ له بمثله، فقال له إسحاق: أما إذا أقررتَ بهذه، فتوهَّمني تجدْني، فقال: ما أظنُّك إلَّا إسحاقَ الموصليَّ الذي يتناهى إلينا خبرُه، فقال: أنا حيث ظننتَ، وأقبل عليه بالتحيَّة والسلام. فقال المأمون: أمَّا إذا اتفقتما على المودَّة فانصرفا، فانصرف العتابيُّ إلى منزل إسحاقَ فأقام عنده.

[قلت: قولُه: الإيناس قبلَ الإبساس، مأخوذٌ من قولهم عند الحلبِ للناقة: بَس بَس، فكان عرَّض تعريضًا بما يروي: الإيناسُ قبل الإبساس، وأين قولُ إسحاق: كُلْ بَصَل، من كلثوم؛ لأنَّ كلثومَ في اللغة هو الواسع الخدَّين، وقد كان العتَّابي بهذه [الصِّفة] (?)، وإنما قصد إسحاقُ أن يضعَ من العتَّابي بسوء أخلاقه، فعاد عليه العتابيُّ بطيب أعراقه].

ودخل العتَّابيُّ على عبد الله بنِ طاهر، فأنشده: [من الخفيف]

حسن ظنِّي وحسنُ ما عوَّد اللهُ ... قديمًا منك الغداةَ أتى بي

أيُّ شيءٍ يكون أحسنَ من حسـ ... ـنِ يقينٍ حدا إليك رِكابي

فأمر له بجائزة، ثم دخل عليه من الغدِ فأنشده: [من السريع]

ودُّك يكفيني في حاجتي ... ورؤيتي كافيةٌ عن سؤالْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015