الصالحةِ وطلبِ الآخرة؛ لتحظى بمرافقة أولياءِ الله في دار كرامته، وأَحْسِن الظنَ بالله، والْتَمِس الوسيلةَ إليه في الأمور كلِّها، وعليك بإقامة الحدودِ ومجانبةِ البدع؛ ليسلمَ لك دينُك، وإذا عاهدتَ عهدًا فعليك بالوفاء به، وإذا وعدت وعدًا في الخير فأَنجِزْه، وإذا وعدت بالشرِّ فأخِّره، واقبل الحسنةَ وتجاوز عن السيِّئة، وغمِّض عينيك عن كلِّ عيب من رعيَّتك، وأحسن لسانَك عن الكذب (?) وأَبْغض أهلَه، وأَقصِ أهلَ النميمة؛ فإنَّ أوَّل ما يُفسد أمرَك تقريبُ الكذب، وإنه رأسُ المآثم، وعليك بالحِلم والوقارِ والتردُّد في الأمور، واجتنب العجلةَ فإنَّها من الشيطان، وإياك والغضبَ والغرورَ ونحوه، وذكر ألفاظًا كثيرة.
ولمَّا شاع الكتابُ طلبه المأمون، فلمَّا وقف عليه قال: ما ترك أبو الطيِّب من أمور الدِّين والدنيا والتدبيرِ والسياسة والرأي وإصلاح الملكِ والرعيَّة وتقويم الأمور إلَّا وقد ذكره وأَحكمه.
ولما شخص عبدُ الله إلى الجزيرة والشام، جعل الخليفةَ ببغدادَ على الشُّرطة إسحاقَ ابن إبراهيم (?).
ولمَّا فتح عبدُ الله مصر، سوَّغه المأمونُ خراجَها سنةً، وأجاز به كلِّه، وهو ثلاثةُ آلاف دينار، وكان قد سخط على معلَّى الطائي، وكنيتُه أبو السمراء، فجاء معلَّى فأنشده في ملأٍ من الناس: [من البسيط]
يا أعظمَ الناسِ عفوًا عند مقدرةٍ ... وأظلمَ الناس عند الجُود بالحالِ
لو يصبح النيلُ يجري ماؤه ذهبًا ... لَما أشرْتَ إلى خَزْنٍ بمثقال
تفكُّ باليُسر كفَّ العُسر من زَمَنٍ ... إن استطال على قومٍ بإِقلال
إنْ كُنْتُ منك على بالٍ مننتَ به ... فإنَّ شكرك من حمدي على بال
فقال: يا أبا السمراء، ما بقي من خراج مصر شيء، فأقرِضْني عشرةَ آلافِ دينار،