يسمع السامعون مثله. فلما اشتدَّ كربه وكاد أن يذهب عقله - رجع الحديث إلى وهب بن منبه - فنودي من الشجرة يا موسى، فأجاب سريعًا وما يدري من دعاه، فقال: لبيك، أسمعُ صوتك ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ قال: أنا فوقك ومعك وأمامك وأقرب إليك منك. فلما سمع موسى ذلك علم أنه لا ينبغي ذلك إلا لربِّه تعالى، فأيقن به فقال: كذلك أنت يا إلهي، أكلامك أسمعُ أم رسولك؟ قال: بل أنا الذي أكلمك. وقال السُّدي: فذلك معنى قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ} أي: من جانبه {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ} المقدسة {مِنَ الشَّجَرَةِ} وكانت من العُلَّيق في قول السُّدي. وفي قول مجاهد: من العَوسج. وفي قول مقاتل: من الصنوبر، وقال ابن مسعود: كانت الشجرة مثمرة خضراء ترفُّ. وقال قتادة: ناداه {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30].

قال مقاتل: عرض له الشيطان في ذلك الوقت فقال له: يا موسى، أتدري من يكلمك؟ قال: نعم، الله ربي، فقال: وإلهك يتكلم؟ إنما كلمك شيطان من جندي. قال له موسى عليه السلام: كذبت، قال: ولم؟ قال: لأني سمعت الكلام من الجهات الست، من فوق، ومن تحت، وعن يميني وشمالي، وورائي وأمامي، وسمعت الموجودات تعظِّم ربي، فعلمتُ أن أحدًا لا يتجاسر أن يقول: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30] إلا الله، فانصرف الملعون خاسئًا.

قال مجاهد: قوله: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} "إني": للتعريف، و"أنا": للتشريف، و"الله" تعالى: للتوقيف.

وقد روي في هذا المعنى حديث أخرجه أبو أحمد بن عَدي عن ابن مسعود عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لما كَلَّمَ اللهُ موسى، قال: من ذا العبري، أو العبراني، الذي يكلِّمني من الشجرة؟ فقال: أنا اللهُ" (?)؛ قال جدي رحمه الله: إلا أنه حديث موضوع، فإن كلام الله لا يشبه كلام المخلوقين، والمتهم بوضعه حميد بن علي، وقيل: ابن عطاء، وقيل: ابن عمار. وفي هذا الحديث (?): أنَّه كانَ على مُوسى جُبَّةُ صُوفٍ، وفي رجليه نعلان من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015