عاداتها الإحراق، ولكن ظهرت معجزات موسى بأن حصل له المقصود بالتكليم منها.

والثاني: لأن طبع النار على تليين الأشياء، وطبع الماء على الترطيب، فأثَّر ذلك في العصا التي كانت في معجزاته.

والثالث: أن في النار والماء بقاءَ العالم، فكذلك كان في موسى حياة الدِّين.

وقال الضحاك: لما ألقته أمه في النار خافت، فلما ألقته في اليم ندمت وجزعت، فربط الله على قلبها، فقالت لأخته مريم: {قُصِّيهِ} [القصص: 11] أي: اتبعي آثاره، فدخلت دار فرعون فوجدته عند آسية، وقد جمعت له المراضع فلم يقبل ثديًا، فقالت مريم أخته: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ} [طه: 40] أي: من يرضعه ويضمه إليه؟ فقالت آسية: نعم، فأرسلت إلى أمه فجاءت فأعطته ثديها فقبله وشرب ونام، فذلك قوله تعالى: {فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ} [طه: 40] وفي مصحف أبيِّ بن كعب: "فرددناك إلى أمك كي تقر عينها بلقائك". فلما تمَّ رَضاعُهُ رَدَّتْهُ إلى دار فرعون، فأخذه يومًا في حجره، فمدَّ يده للحيته، فقال: عليَّ بالذابح، فقالت آسية: إنما هو صبيٌّ لا عقل له، وأحضرت ياقوتًا وجمرًا فأخذ جمرة فوضعها في فيه، فاحترق لسانه، فذلك قوله تعالى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 27 - 28].

فإن قيل: فأنَّى اشتبه بالنار؟ ويوم التنور ألقي فيها فلم تحرق لسانه؟ فالجواب من وجوه:

أحدها: أنه قال لفرعون يومًا: يا "بابا"، فعوقب لسانه ولم تعاقَبْ يده لأنها مَدَّتْ بلحية فرعون، ولهذا ظهرت المعجزة في اليد دون اللسان {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [طه: 22].

فإن قيل: فـ"بابا" مخرجها من الشفتين، قلنا: لابدَّ للسان من فعل لأنه آلة النطق، فقد وجدت المشاركة.

والثاني: أنه لم يحترق في التنور ليدوم الأنس بينه وبين النار إلى ليلة التكليم.

والثالث: أنها لم تحترق يده ليجاهد بها فرعون، وذلك بحمل العصا. وهذا الذى ذكرناه في بداية موسى ذَكَرَه مَنْ سمينا في أول الفصل من العلماء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015