فما ردَّ هارونُ وفاتَحَه الكلام، فقال عبدُ الملك: هذا يومٌ لا أجاذِبُ فيه منازعًا ولا خصمًا، قال: ولم؟ قال: لأنَّ أولَه جرى على غير السُّنَّة، فأنا أخاف آخرَه، قال: وما ذاك؟ قال: لأنَّك لم تردَّ عليَّ فيه السَّلام، فقال الرشيد: السلامُ عليك، اقتداءً بالسنَّة، وإِيثارًا للعدل، واستعمالًا لردِّ التحيَّة.

ثم التفت إلى سليمانَ بنِ أبي جعفرٍ وأَنشد يقول: [من الوافر]

أُريد حياتَه ويُريد قَتْلي (?)

ثم قال: لكأنِّي واللهِ أنظر إلى شُؤبوبها (?) قد همَع، وإلى عارِضِها قد لَمَع، وكأنِّي بالوعيد قد أَورى نارًا تَسْطَع، فأَقْلَعَ عن بَراجِمَ بلا مَعاصِم، ورؤوسٍ بلا غَلاصِم، فمهْلًا مهلًا، فبي واللهِ سَهُل لكم الوَعر، وصفا لكم الكَدَرَ، وأَلقت إليكم الأمورُ أَثناءَ (?) أزمَّتها، ونَذارِ لكم نذار قبل حلولِ داهيةٍ خَبوطٍ باليد، لَبوطٍ بالرِّجل. فقال له عبدُ الملك: اتَّقِ الله فيما ولَّاك، ولا تجعل الكفرَ موضعَ الشُكر، ولا العِقابَ موضعَ الثَّواب، فقد نَخَلتُ لك النصيحة، ومَحَضْتُ لك الطاعة، وشَدَدتُ أَواخيَ مُلكِك بأثقلَ من ركنِ يَلملَم، وسهَّلت لك الوعور، وذللت لك الأمور، وجمعتُ على طاعتك القلوبَ في الصدور، فكم ليل تَمامٍ فيك كابَدْتُه، ومَقامٍ ضيق لك قُمتُه، كنتُ كما قال أخو بني جعفرِ بن كتاب (?): [من الرمل]

ومقامٍ ضَيِّقٍ فَرَّجتُه ... ببَيانٍ ولسانٍ وجدلْ

لو يقوم الفيلُ أو فائلُهُ ... زلَّ عن مثل مَقامي وزَحَل

فالله الله في رِيٍّ أن تقطعَه بعد أن بَلَلْتَه، بسعي سباعٍ تَنْهسُ اللَّحم، وبغيِ باغٍ يبالغ في الذَّمِّ (?). فقال الرَّشيد: أَمَا واللهِ لولا الإِبقاءُ على بني هاشم لضربتُ عنقَك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015