احتلتَ للدُّنيا ولذَّاتها ... بحيلةٍ تذهب بالدِّين
فصرتَ مجنونًا بها بعدما ... كنت دواءً للمجانين
أين رواياتُك في سَرْدها ... عن ابن عونٍ وابن سيرين
أين أحاديثُك والقول في ... لزوم أبوابِ السَّلاطين
إنْ قلتَ أُكرهت فما هوْ كذا ... زلَّ حمارُ العلم في الطِّين (?)
فلمَّا قرأ الأبياتَ بكى، ودخل على هارونَ فاستعفاه، فقال: لعلك التقيتَ ذاك المجنونَ المرْوَزي، فقال له: اِرحم شيبتي، فأَقاله، فبعث إليه ابنُ المبارك برسمه.
وقال عليُّ بن الحسن بن شَقيق: كان ابنُ المبارك إذا جاء العامُ الذي يحجُ فيه، اجتمع إليه إخوانهُ من أهل مرو، فيقولون: الصُّحبةَ، فيقول: هاتوا نفقاتِكم، فيأخذها فيجعلها في صُندوق ويُقفل عليه، ثم يكتري لهم من ماله ويجهِّزهم بكلِّ ما يحتاجون إليه من مروَ إلى مكَّة [و] قال لهم: ما الذي طلب منكم عيالُكم من المتاع؟ فيقولون: كذا وكذا، فيشتري لهم من متاع مكَّة ما سمَّوه، فإذا قدم المدينةَ سألهم، فيذكرون له المتاع، فيشتريه، فإذا عادوا إلى بغداد، سألهم كذلك، فإذا قدموا مروَ وضع لهم طعامًا عظيمًا، وأَحضرهم فأكلوا، وفتح الصُّندوق وأَخرج تلك الصُّررَ وعلى كلِّ صرَّةٍ اسمُ صاحبها، وأخرج لهم هدايا مكةَ والمدينةِ وبغداد، فيدفع الجميعَ إليهم، ويبيِّض أبوابَهم (?).
وقال الحاكمُ أبو عبد الله: كان عبد الله بن المبارك يحجُ ومعه أحمال وصناديقُ وخدم كثير، فنزلوا منزلًا عن مرو، وكان مع بعض خدمه قَبَجةٌ (?)، فماتت، فألقاها الخادمُ على الكُناسة، وشرعوا في الرحيل وتجهيزِ الأثقال، وابنُ المبارك واقفٌ على دابَّة له ينتظر المسير، فنظر إلى جويريةٍ تُخرِج رأسَها من باب صغيرٍ وترجع لعلها ترى فرصةً لكي لا يراها أحد، فتغافل ابنُ المبارك عنها، فخرجت في إِزارٍ ليس عليها