وماتَ شعيب، أليس مرجعُهم إلى الذي عاملوه؟ فقمت من منامي وبكيت بكاءً شديدًا، فلما طلعَ الصباح دخلتُ على الليث والقنداق في يدي، فلمَّا رآني تهلَّل وجهُه، فناولتُه القنداق، وليس فيه شيءٌ سوى البسملة فقط، فقال لي: ما الخبر؟ فأخبرته، فصاح صيحةً عظيمةً، بحيثُ اجتمع عليه الخلق، ثم غشي عليه، ثم أفاقَ وهو يبكي ويقول: صدق؛ مات الليث، ومات شعيب، أليس مرجعهم إلى الذي عاملوه (?)؛ وكان سعيدٌ من الأبدال.

ذكر وفاته:

مات في شعبان لأربعَ عشرة خلت منه سنة خمس وسبعين ومئة، وقيل: سنة أربعٍ وسبعين، وبلغ اثنتين وثمانين سنة.

أسند عن خلقٍ من التابعين حتى قيل: إنَّه أدرك نيِّفًا وخمسين من التابعين، وروى عنه جمٌّ غفير، وأثنى عليه الأئمة.

وقال الشافعيُّ رحمه الله: ما فاتني أحدٌ تأسَّفت عليه مثل ما أسفت على الليث بن سعد وابن أبي ذئب.

واتفقوا على صدقِه وأمانتِه وثقته وفضله وزهده وكرمه، حتى قال الإمام أحمد - رضي الله عنه -: كانَ الليثُ كثيرَ العلم، صحيحَ الرواية، ثبتًا ثقةً. وكان يفضِّله على أقرانه من الأئمة.

واجتمعَ الليثُ بالمنصور في البيت المقدس، فقال: الحمدُ الله الذي جعلَ في رعيَّتي مثلك، ولقد سرَّني ما رأيت من سداد عقلك، وإني أريدُ أن أقلِّدك مصر، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنِّي من الموالي، وأنا ضعيف، قال: فأشر عليَّ لمن أقلدها؟ فقال: لعثمان بن الحكم الجُذَامي، له صلاحٌ وعشيرة، فبلغ ذلك عثمان، فعاهدَ الله أن لا يكلِّم الليث، فلم يكلِّمه حتى مات رحمة الله تعالى عليه.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015