والثالث: أنَّه استغاث به مظلوم فلم يساعده على ظالمه فابتلاه الله، قاله ابن عباس.
والرابع: لأنه كان في زمانه ملك ظالم أقطعه أرضًا ترعى خيلُهُ فيها، فدخل العلماءُ على الملك فأنكروا عليه ظلمه إلا أيوب، فإنه لم ينهه عن الظلم لأجل مرعى دوابّه، فأوحى الله إليه: تركتَ إنكارك على الظالم من أجل مرعى دوابّك؟ ! لأسلِّطنَّ عليك عدوَّك، ولأُطيلنَّ عذابك، قاله الليث بن سعد.
وحكى الحافظ أبو القاسم في "تاريخ دمشق" أن الواقعة كانت بمصر، فقال: قال أبو إدريس الخَولاني: أجدَبَ الشام فكتب فرعون مصر إلى أيوب أنْ هلُمَّ إلينا فإن لك عندنا سعةً، فأقبل بخيله وَرَجلِهِ وبنيه وماشيته، فأقطعه أرضًا، وكان نبيُّ ذلك الزمان شعيبًا - عليه السلام -، فدخل شعيب على فرعون ووعظه وقال: يا فرعون أما تخاف أنْ يغضبَ الله غضبةً تغضبُ لها السماوات والأرض والجبال والبحار؟ ! وكان أيوب حاضرًا فسكت، فلما خرج من عنده أوحى الله إلى أيوب: سكتَّ عن فرعون لأجل أرضه، استعدَّ للبلاء. قال: يا إلهي، فديني؟ قال: أُسَلِّمُهُ لكَ، قال: فما أُبالي (?).
وروى الحافظ حديثًا عن عقبة بن عامر قال: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْحَى الله لأَيُّوبَ: تَدرِي ما جرمُك حتَّى ابتَليتُكَ؟ قال: لا، قال: إنَّك دَخَلتَ على فِرعَونَ فداهَنْتَهُ في كلمتَين" (?).
قلت: ولا يصحُّ هذا الحديثُ مرفوعًا وإنما هو موقوف؛ وأيوب لم يفارق الشام ولا دخل مِصْر باتفاق الرواة.
والخامس: أن إبليس قال: يا إلهي لو سلَّطتني عليه لكفَرَ بك وأطاعني، فسلَّطه عليه ليظهر صبره وكَذِبَ إبليس، قاله مقاتل.
قال وهب والسُّدي وغيرهما: ثم إن إبليس فرَّق عفاريته في ماله، فأرسل بعضهم إلى إبله، فجاؤوها وهي في مباركها، فلم تشعر الرعاة حتَّى ثار من تحت الأرض إعصار من نار تنفخ منه أرواح السَّموم، لا يدنو منه أحد إلا احترق، فلم يزل يحرقها