فقال: يَا أميرَ المُؤْمنين، إن الرجلَ ضعيفُ الحال، قال: قد أمرنا له بثلاثين ألفَ درهم، فقال: إن جنايتَه عظيمة، وصِلاتِ الخلفاء على قَدْر الجناياتِ من الرعايا، قال: قد أَمرنا له بمئة ألفِ درهم، فقال: أهنأُ المعروف أعجلُه، فأمر بها فحُملت إلى دار معن، فجاء إلى داره وقد سبقه المال، فقال للرجل: ادعُ لأمير المُؤْمنين؛ فقد حقن دمَك، وأَجزل صِلتَك، وأَصلح نيَّتك له فيما يستقبل.
وقال شبيبُ بن شيبةَ (?) المِنْقري (?): حججت، فبينا نحن ببعض الطريقِ جلست أتغدَّى، فجاء أعرابيٌّ وبيده جاريةٌ سوداء، فقلت له: تعال تغدَّ، فقال: إنِّي صائم، وكان يومًا شديدَ الحرّ، فقلت له: أتصوم في هذا الحرّ! فقال: أصوم ليومٍ هو أشدُّ حرًّا منه، ثم قال: هل فيكم مَن يكتب لي كتابًا؟ قلت: نعم، فأخرجتُ له صحيفة، فقال: اكتب: هذا ما أَعتق هلالُ بن عبدِ الله جاريتَه لؤلؤةَ لوجه اللهِ تعالى ولجَوَاز العَقَبة، فكتبتُ وأَعتق الجارية، فحدَّثت المهديَّ حديثَه، فقال: اشترِ لي ألفَ رأسٍ وأَعتقهم على ما أَعتق عليه الأعرابيّ، ففعلت.
وقال مالكُ بن أنس: لما حجَ المهديُّ دخلتُ عليه، فقال: يَا مالك، ألكَ دار؟ قلت: لا، وأحدِّثك بحديثٍ حدَّثناه ربيعةُ بن عبدِ الرَّحْمَن أنَّ نسبَ الرجلِ دارُه، فأمر لي بثلاثة آلافِ دينار.
ولما حجَّ دخل المدينة، فدخل عليه جماعة، فقال: أَنشِدوني، فأنشده عبدُ العزيز الماجِشون: [من الطَّويل]
وللناس بدرٌ في السماءِ يرونه ... وأنت لنا بدرٌ على الأرض مُقمِرُ
وما البدرُ إلَّا دون وجهِك في الدُّجى ... يغيب فيبدو حين غاب فيُقمر
فأعطاه خمسين ألفَ دينار (?).
وقدم على المهديِّ بِطريقٌ من الرُّوم يقال له: طاراثُ بن الليث بنِ العيزار بن طريف، وكان أبوه ملكَ الروم أيامَ معاوية، فقال: يَا أميرَ المُؤْمنين، ما قدمتُ إلَّا شوقًا