ولما عاد الرسول إلى الملك وأخبره بما قال يوسف، دعا الملك النسوةَ وإمرأة العزيز وقال لهن: {مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} أي: ما شأنكن وما قصتكن {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} أي: معاذ لله {مَا عَلِمْنَا عَلَيهِ مِن سُوءٍ} أي: زنا، وإنما امرأة العزيز أخبرتنا بأنها راودته.
فإن قيل: إنما راودته امرأة العزيز، فكيف قال: "إذ راودتنَّ"؟ فالجواب: لما وافقْنَها في قولهن ليوسف: أَطِعْ سيدتك، صار كأنهنَّ راودنه جميعًا.
{قَالتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} أي: ظهر وتبين وبان الصحيح من الكذب {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 51] في قوله: {قَال هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} [يوسف: 26] فقال يوسف {ذَلِكَ} [يوسف: 52]، الَّذي فعلتُ من ردِّي الرسول إليه في شأن النسوة {لِيَعْلَمَ} العزيز قطفير {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيبِ} في زوجته في حال غيبته عني وخلوتي بها، قال ابن عباس: فقال له جبريل: ولا حينَ هممتَ بها؟ فقال يوسف: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} [يوسف: 53]. وقال مقاتل: اتصل قول يوسف {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ} بقول المرأة {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف: 52] الذين يخونون مواليهم في نسائهم.
ومعنى {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} أي: بالفاحشة {إلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53] فلما ظهر للملك عذر يوسف وعرف أمانته وفضله قال: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يوسف: 54] لأنه كان قد بلغه حديث زليخا. فلما ظهر برهانه زال ما كان في نفسه، وهذا من معجزات يوسف - عليه السلام -.
قال مقاتل: ولما جاءه الرسول قال له: أجب الملك، قال: سمعًا وطاعة، أما الآن فنعم. ثم دعا لأهل السجن وبكى وبكوا لفراقه لأنه كان محسنًا إليهم، ووقف على باب السجن ودعا لهم فقال: اللهم اعطفْ عليهم قلوبَ الأخيار ولا تعمِّ عليهم الأخبار. قال وهب: فهم أعلم الناس بأخبار الدنيا، ثم كتب على باب السجن: هذا قبر الأحياء، وبيت الأحزان، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء (?). ثم دخل على الملك