قوله تعالى: {قَال أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} أي: عنبًا، واسم هذا القائل نبو، وقال الآخر، وهو مجلث: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْويلِهِ} أي: أخبرنا بتفسيره وتعبيره وما يؤول إليه أمر هذه الرؤيا {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36] إلى أهل السجن، كان إذا مرض أحد منهم عاده، وإذا ضاق وسَّع عليه، وإذا احتاج جمع له، وكان يداوي مرضاهم ويعزي حزينهم.

وقال قتادة: كره أن يعبر لهما رؤياهما لما علم ما فيها من المكروه، فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره، فقال: {قَال لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} وتطعمانه وتأكلانه {إلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْويلِهِ} أي: بتفسيره وألوانه، أي طعام أكلتم وكم أكلتم، فقالا له: هذا من فعل العرَّافين والكُهَّان، فقال: ما أنا بكاهن، وإنما ذلك العلم {مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف: 37] لأنهم كانوا يعبدون الأصنام وإنما كرر على التأكيد {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيءٍ} أي: ما يجوزنا {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَينَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف: 38]، ثم أقبل يوسف عليهما وعلى أهل السجن، وكان بين أيديهم أصنام يعبدونها من دون الله فقال: {يَاصَاحبَيِ الْسِّجْنِ} لكونهما فيه {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُوْنَ} آلهة لا تضر ولا تنفع {خَيرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39]، الواحد: الَّذي لا ثاني له، القهار: الَّذي يقهر كل شيء، ثم بين ضعفها وعجزها فقال: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلا أَسْمَاءً سَمَّيتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} وإنما قال: "ما تعبدون" وإن كان الخطاب قد بدأ لاثنين لأنه قصد جميع مَنْ هو بمثلِ حالهما من الكفر. والأسماء: للآلهة والأديان والأرباب، من غير أن يكون للتسمية حقيقة {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أي: حجة وبرهان {إِنِ الْحُكْمُ} أي: ما القضاء والأمر والنهي {إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ ذَلِكَ} الَّذي دعوتكم إليه من التوحيد {الدِّينُ الْقَيِّمُ} المستقيم {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40] ثم فسَّر المنامين لما ألحَّا عليه فقال: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا} وهو الساقي {فَيَسْقِي رَبَّهُ} أي: سيده يعني الملك {خَمْرًا} وأما العناقيد الثلاثة التي رآها فإنها ثلاثة أيام يبقى في السجن ويخرج بأمر الملك ويعود إلى ما كان عليه {وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ} والسلال الثلاث التي رآها فإنها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015