الهِمْيان وجلس منها مجلس الخاتن، قاله ابن عباس (?)، وفي رواية عنه: جلس منها مجلسَ الرجل من أهله. وقال السُّدي: جعلت تذكّر له محاسن نفسها حتَّى همَّ بها، وكان شابًا يجد شبق الشباب (?).
وأنكر جماعة من المتأخرين هذا وقالوا: لا يليق هذا بالأنبياء وأوَّلوا الآية. فقال بعضهم: همَّ بالفرار منها. وقيل: همَّ بضربها. وقال آخرون: تم الكلام عند قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} ثم ابتدأ الخبر عن يوسف {وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} على التقديم والتأخير، وتقديره: لولا أن رأى برهان ربّه لهمَّ بها ولكنه رأى البرهان فلم يَهم. ورُوي عن ابن عباس أنَّه قال: ولقد همَّت به أن يفترشها وهمَّ بها أن تكون له زوجة.
وهذه التأويلات كلها غير مرضية، أما قول من قال: همَّ بالفرار منها فلا يصحُّ لأنَّ الفرار غير مذكور في الآية، وأمَّا تقدير "لولا" فالعرب لا تقدِّم جواب لولا قبلها، لا تقول: لقد قمت لولا زيد لقمت، وكذا أقوال مَنْ تأَوَّلَ غير ذلك. والدليل عليه أنَّه (?) لما أقرَّت المرأة وقال يوسف: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيبِ} [يوسف: 52] قال له جبريل: ولا حين هممتَ بها يا يوسف، فقال عند ذلك: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53].
والمختار في هذا أنَّ الهمَّ همَّان: همّ مقيمٌ يضاف إليه عزمٌ ونية ورضًى، مثل همِّ إمرأة العزيز، والعبدُ مأخوذ به.
والثاني: عارضٌ وهو الخطرةُ والفكرة وحديث النَّفس من غير اعتبارٍ ولا عزم، مثل همِّ يوسف عليه السَّلام، والعبد غير مأخوذ به ما لم يلفظ به أو يفعله. والدليل عليه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللهُ عزَّ وجل: إذا همَّ عَبدِي بحَسنةٍ فَلم يَعمَلها كُتِبَتْ له حَسنةً، وإن عمِلَها كُتِبَت له عَشرُ حَسناتٍ إلى سبع مئةِ ضِعفٍ، وإذا همَّ عَبدِي بِسيئةٍ فإن تَركَهَا من أَجلِي كَتبتُها لَهُ حَسَنةً" (?).