الفرزدق، فجاء الفرزدق إلى قبر أبيه فرآها هناك، فأخذَتْ حَصَياتٍ من القبر، وقالت: أنا مستجيرة بصاحب هذه التوبة من هجائك. فأجارها، فلما هجا بني جعفر ووصل إليها، قال:
عجوزٌ تُصلِّي الخمسَ عاذَتْ بغالبٍ ... فلا والذي عاذَتْ به لا أَضِيرُها
وإني على إشفاقها من مخافتي ... وإنْ عَقَّها بي نافعٌ لَمُجيرُها (?)
وعاذ بقبره مكاتَبٌ قد عجز عن نجومه (?) وقال:
بقبر ابنِ ليلى غالبٍ عُذتُ بعد ما ... خَشِيتُ الرَّدَى أو أنْ أُرَدَّ إلى (?) قَسْرِ
فقال: كم كتابُك؟ قال: أربعون ألفًا (?). فأدَّاها عنه.
[وقال الزُّبير بن بكَّار: ] وقدم الفرزدق على معاوية وابنِه يزيد وعبدِ الملك [بن مروان] وسليمان [بن عبد الملك] وعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -.
[وقال العتبي: ] ودخل [الفرزدق] على سليمان بن عبد الملك فقال له: من أنت؟ كأنه لا يعرفُه. فقال الفرزدق: أوَ ما تعرفُني يا أمير المؤمنين؟ ! قال: لا. قال: أنا الذي منهم أوفى العرب، وأسود العرب، وأجود العرب، وأحلم العرب، وأفرس العرب، وأشعر العرب. فقال: بيِّنْ ما تقول. فقال: أمَّا أوفى العرب؛ فحاجب بن زُرارة الذي رهن قوسه عن جميع العرب، فوفَى بذلك، وأما أسود العرب؛ فقيسُ بنُ عاصم الذي وفدَ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فبسط له رداءَه وقال: "هذا سيِّدُ أهلِ الوَبَر". وأمَّا أحلم العرب؛ فالأحنف بنُ قَيس الذي يُضربُ المَثَلُ بحلمه، وأمَّا أجودُ العرب فعتاب بن وَرْقاء الخُزاعي، وأما أفرس العرب؛ فالحَرِيش بن عبد الله السعدي، وأما أشعر العرب؛ فها أنا بين يديك. فغضب سليمان، وساءه ما سمع من افتخاره، ولم يقدر على إنكاره، فقال له: ارجع على عقبيك، فلا شيء لك عندنا. فرجع وهو يقول:
أتيناك لا من حاجةٍ عَرَضَتْ لنا ... إليك ولا من قلَّةٍ في مُجاشعِ