قال المفسرون: فأسمع مَنْ بين السماء والأرض ومَنْ في أصلاب الرِّجال وأرحام النِّساء؛ قال الضحَّاك: فأجابوه جميعًا: لبيك اللهمَّ لبيك، فمنهم من لبَّى مرَّة ومنهم من لبَّى مرتين وثلاثًا وأقل وأكثر، فحجُّوا على قدر ذلك، ومن لم يلبِّ لم يحج.
قال ابن عباس: فذلك قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} أي: مشاة {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحجّ: 27] أي: ركبانًا قد ضمرهن السَّفر، والفجُّ العميق: البعيد (?).
وقال ابن أبي الدنيا بإسناده عن الزهري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جَاءَ جبريلُ عليه السَّلام إلى إبراهيمَ وإسماعيلَ عليهما السَّلام فأراهم الطَّواف، ثم خرج بهما إلى منى، فقال: صلِّيا ها هنا، وأقامَ بهما إلى اليومِ الثاني، فغدا بهما إلى عرفاتٍ فأنزَلَهُما حيثُ ينزلُ الناسُ اليومَ، وجمَعَ بهما بين الظهرِ والعصرِ، ثم وَقَف بهما وعلَّمهما المناسِكَ، فجعلَ إبراهيمُ يقول: عَرفتُ عَرفتُ فلذلك سُميت عرفاتٍ".
وقال مجاهد: قال إبراهيم: يا ربِّ، كيف أقول؟ فقيل له: اصعد على الجبل وناد: أيها النَّاس، أجيبوا ربّكم لبيك اللهم لبيك، فقال ذلك في جميع الجهات، فهذا أصل التلبية (?).
فإن قيل: فالنفس أبدًا تتوق إلى مكة مع علمها بتحمُّل المشاق فما سببه؟ فالجواب من وجوه:
أحدها: قول الخليل: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيهِمْ} [إبراهيم: 37] أي: تشتاق وتحنُّ، ولو لم يقل {مِنَ النَّاسِ} لحجَّه اليهود والنصارى.
والثاني: لأنَّ الله تعالى أخرج ذرِّيَّة آدم بأرض نَعمان، وهي أرض عرفة، وقد ذكرناه (?)، فصار ذلك المكان وطنًا، والنفس أبدًا تنازع إلى حبِّ الوطن.
والثالث: لأنَّ الله سبحانه ينظر في ليلة النصف من شعبان إلى الكعبة فتحنُّ إليها