أتاه عليّ فِي منزله، فقرع بابه فخرج، فقال له علي: يَا أخي، إن كنتَ صادقًا فيما قلتَ فغفر الله لي، وإن كنتَ كاذبًا فغفر الله لك، والسلام عليك، وولّى، فتبعه حسن، والتزمه من خلفه وبكى حتَّى رثى له، ثم قال: لا جرم، لا عُدتُ فِي أمرٍ تكرهه، قال علي: وأنت فِي حلٍّ مما قلتَ لي (?).
وقال (?): فَقْدُ الأحبَّةِ غُربة.
وكان يقول: اللهم إنِّي أعوذ بك أن تَحسُنَ فِي لوامع العيون علانيتي، وتَقْبُحَ سريرتي، اللهم إنِّي أسأتُ وأحسنتَ إليّ، فإذا عُدْتُ فعُدْ عليَّ.
وقال: إن أقوامًا عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة الأحرار (?).
وقال (?): عجبتُ للمتكبّر الفَجور؛ الذي كان بالأمس نُطفةً ثم غدًا جِيفة، وعجبتُ لمن شكَّ فِي الله وهو يرى عجائبَ خَلْقه، وعجبتُ لمن أنكر النَّشأةَ الأُخرى وهو يرى النشأة الأولى، وعجبتُ لمن عَمل لدار الفَناء، وترك العمل لدار البقاء.
قال: وكان إذا أتاه السائل رحَّب به ويقول: مَرْحبًا بمَن يحمل.
وكان يُبَخَّل، فلما مات وجدوه يَقوت مئةَ أهلِ بيتٍ بالمدينة.
[وقال محمَّد بن إسحاق: ] كان ناسٌ من أهل المدينة يعيشون لا يُدرى من أين كان معاشُهم، فلما مات علي فقدوا ما كان يأتيهم بالليل [أو فقدوا ما كانوا يُؤتون به فِي الليل.
وروى أبو نعيم عن أبي حَمْزة الثّمالي قال: ] كان علي بن الحسين يحمل جِراب الدَّقيق على ظهره بالليل، فيتصدق به ويقول: إن صَدَقةَ السِّرِّ تُطفئ غَضبَ الربّ عز وجل، فلما مات وغَسّلوه جعلوا ينظرون إِلَى آثارٍ سُود فِي ظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جِراب الدّقيق ليلًا على ظهره، فيعطيها فقراءَ المدينة.