من بيعة الوليد وسليمان ما قد علمتُما، فإن شئتما أقلتُكما، قالا: فكيف تُقيلنا وقد جعلتَ لهما في أعناقنا مثل السَّواري، وفي رواية أنه قال لهما: قد حضر من الأمر ما تريان، فهل في أنفسكما من بيعة الوليد شيء؟ فقالا: والله ما نرى أحدًا أحق بها منه بعدك، فقال: والله لو قلتما غير هذا لقدَّمتكما أمامي، ثم رفع فراشه فإذا سيف مَسْلُولٌ تحته.

وقال الشعبي: أرسل إليَّ عبد الملك في مرض موته، فدخلتُ عليه فقلت: كيف أصبحتَ يا أمير المؤمنين؟ فقال: كما قال زهير بن أبي سُلمى (?): [من الطويل]

كأني وقد جاوزتُ سبعين حِجَّةً ... خلعتُ بها عني عِذارَ لجامي

رَمَتْني بناتُ الدهر من كل جانبٍ ... فكيف بمن يُرمى وليس برام

فلو أنني أُرمى بسَهمٍ رأيتُه ... ولكنني أُرمى بغيرِ سِهام

إذا ما رآني الناسُ قالوا ألم يكن ... حَديدًا شَديدَ البَطشِ غيرَ كَهامِ (?)

فأَفنى وما أُفني من الدّهر ليلةً ... ولم يُغْنِ ما أفنيتُ سِلْكَ نِظامِ

على الرَّاحتَين مرةً وعلى العصا ... أنوءُ ثلاثًا بعدهُنَّ قِيامي

فقلت له: لا، ولكنك كما قال لَبيد بن ربيعة أخو بني جعفر بن كلاب: "من البسيط"

باتت تَشكَّى إليَّ النَّفسُ مُجْهِشَمةً ... وقد حملتُكِ سَبعًا بعد سَبعينا

فإن تُزادي ثلاثًا تُحرزي أملًا ... وفي الثلاثِ تَمامٌ للثمانينا

فعاش حتى بلغ التسعين فقال: [من الطويل]

كأني وقد جاوزتُ تِسعين حِجَّةً ... خلعتُ بها عن مَنكِبَيَّ ردائيا

فلما بلغ المئة قال: [من الطويل]

أليس ورائي إنْ تراختْ مَنِيَّتي ... لُزوم العصا تُحْنَى عليها الأضالِعُ

أخبِّرُ أخبارَ القرونِ التي مضتْ ... أدِبٌ كأنّي كلما قمتُ راكعُ

فلما بلغ مئة وعشرًا قال: "من البسيط"

وإن في مئةٍ قد عاشها رجلٌ ... وفي تكامُلِ عشْرٍ بعدها عُمُرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015