قال مقاتل: فذلك قوله: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَال أَلَا تَأْكُلُونَ (91)} [الصافات: 91] يعني من الطعام الذي بين أيديهم، يستهزئ بهم. ثم قال: {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)} [الصافات: 92، 93] لأنها أقوى عملًا من اليسار (?). وكان قد أقسم بقوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] ففعل ما حلف عليه. واليمين: القوَّة.

{فَأَقْبَلُوا إِلَيهِ يَزِفُّونَ (94)} [الصافات: 94] وهو حال بين الإسراع والرويد، ومنه زفيف النعام بين المشي والطيران {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} [الأنبياء: 59] يا إبراهيم، فنمَّ عليه رجل كان قد سمعه يقول: والله لأكسرنَّها، فقال ذلك النمَّام: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60] أي: يعيبهم ويسبهم {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} [الأنبياء: 61] ومعنى: أعين الناس أي: بمرأىً منهم وفي {يَشْهَدُونَ} قولان، أحدهما: عذابه. والثاني: يشهدون عليه أنه فعل ذلك.

قال ابن عباس: كرهوا أن يأخذوه بغير بيّنة. فلما حضر {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (62) قَال بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 62، 63] غضب أن يعبد معه الضعفاء فكسرها.

وكان الكسائي يقف على قوله: {بَلْ فَعَلَهُ} ثم يبتدئ فيقول: {كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} [الأنبياء: 63، 64] (?) حيث عبدتم من لا يتكلم.

{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} [الأنبياء: 65] أي: أدركتهم حيرة وقالوا: قد ظلمناه وما نرى الأمر إلا كما قال ولكن أرادوا أن ينصروا آلهتهم.

قال مقاتل لما جادلوه قال لهم: قَال {قَال أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 95، 96] أي: وعملكم.

قلت: وفي هذه الآية دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى حيث قال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} وعلى أنها مكتسبة للعباد حيث أثبتت لهم عملًا، فأبطل مذهب القدريَّة والجبريَّة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015