السماوات والأرض -على قولهم- وهو في السّرب، ابن سنة أو سنتين أو ثلاث، فكيف يقال له: أنت رجل مجاب الدّعوة؟ !
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيهِ اللَّيلُ رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعام: 76] إلى آخر القصَّة.
قال علماء السِّير: لما قال لأبويه: مَن ربي؟ وأنكرا عليه قال: أخرجوني من السَّرَب، فأخرجاه. و"جنَّ الليل": أظلم وغطى كل شيء، ومنه سمِّيت الجنُّ لاجتنانها فلا ترى. وقال أبو عبيدة: جنون الليل سواده (?).
واختلفوا في الكوكب الذي رآه:
فقال مجاهد: المشتري. وقال مقاتل: الزهرة. وقال ابن عباس: رأى أنورَهما وأشرَقهما، أو أنورَها وأشرَقها، وإنما رأى الكوكب قبل القمر؛ لأنها كانت آخر ليلة في الشهر والقمر لا يطلع فيها في أوَّل الليل (?).
{فَلَمَّا أَفَلَ} أي: غاب قَال {قَال لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام: 76] قال الرَّبيع: معناه لا أحب ربًّا لا يدوم {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا} أي: طالعًا {قَال هَذَا رَبِّي} قال ابن عباس: عَبَد الكوكب حتى غاب، ثم عبَدَ القمر حتَّى غاب. {فَلَمَّا أَفَلَ قَال لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: 77] أي: عن الهدى {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَال هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ} [الأنعام: 78] فعبَدَها حتى غابت؛ وقد نصَّ ابن عباس على هذا.
فإن قيل: فلمَ لَمْ يقل في الشمس: هذه ربي، وقال: هذا ربي؟ فالجواب من وجوه:
أحدها: أنه رأى ضوء الشمس وهو الشعاع، ولم ير عين الشمس فردَّ النظر إلى الشعاع، ذكره محمَّد بن مقاتل الرَّازي.
والثاني: أنه أراد الطالع، أي: هذا الطَّالع ربي، فإنه أضوأ وأعظم، حكاه الأخفش.
والثالث: أنَّ على رأي المنجمين أنَّ الشمس ذكر والقمر أنثى (?)، وهذا جواب لم أُسبق إليه.