وقال ابن مسعود: لم تخرج الريح قط إلَّا بمكيال، إلا في قصة عاد فإنَّها عصت على الخُزان فغلبتهم فلم يعلموا مقدار مكيالها، فذلك قوله تعالى: {فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة: 6] والصرصر: ذات الصوت الشديد {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاويَةٍ} [الحاقة: 7] {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20] أي: من أصله.
فإن قيل: فما معنى إهلاكهم بالريح؟ فالجواب: إنَّما أهلك ذلك الخلق العظيم بالريح التي في ألطف الأشياء لتظهر آثار القدرة، كما أمات الخلق بنفخةٍ ويحييهم بنفخة.
وذكر جدّي رحمه الله قصتهم بألفاظ مسجوعة، ثم قال: غلبهم الهوى فامتدَّ المقصور.
فإن قيل: فما معنى {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ} [هود: 59] ولم يبعث إليهم سوى هود.
فالجواب من وجهين: أحدهما: أنه بُعث إليهم نبيّ كما ذكرنا، والثاني: لما كذَّبوا بما جاء به هود فكأنَّهم كذبوا بما جاء من قبله؛ لأنَّ الأنبياء أولادُ عَلَّات أمهاتهم شتى، والأب واحد (?).
قال مجاهد: لما هلكوا أرسل عليهم طيورًا سودًا فنقلتهم، فألقتهم في البحر.
وقال ابن الكلبي: ولمّا بلغ مرثد بن سعد هلاكهم قال (?): [من الوافر]
عصَت عادٌ رسولَهمُ فأضحَوا ... عظامًا ما تبكهم السَّماء (?)
وسُيِّر وفدُهُمْ شَهْرًا ليسْقَوا ... فأردَفَهمْ معَ العطشِ العَمَاءُ
بكفرهمُ بربهمُ جِهارًا ... على آثار عادِهِمُ العَفَاءُ
لهم صنمٌ يقالُ له صُمودا ... يُقابِلُه صُداءٌ والهَبَاءُ
ألا قبح الإلهُ حُلومَ عادٍ ... وإنَّ ديارَهمْ قفرٌ هواءُ