فكتب إليه ابنُ الحنفية: أما بعد، فإنِّي لو أردتُ القتال لوجدتُ النَّاس سراعًا إليَّ والأعوانَ كثيرًا، ولكنّي قد اعتزلتُ النَّاس، وصبرتُ حتَّى يحكم الله، وهو خير الحاكمين. وقال لرسول المختار إليه -واسمه صالح بن مسعود- قل له: فليتَّقِ الله، وليكفَّ عن الدماء (?)، وعليه بطاعة الله (?).
وفيها حبسَ عبد الله بنُ الزُّبير محمد بن الحنفيَّة ومن كان معه من أهل بيته وسبعةَ عشرَ (?) رجلًا من أشراف الكوفة.
وسببُه ما حكاه هشام بن محمَّد عن أبي مِخْنَف أنَّ ابنَ الزُّبير أرسل إليهم: بايِعُوا. فقالوا: حتَّى يجتمع النَّاس على إمام (?)، فحبَسَهم، وتوعَّدهم بالقتل والحريق، وضربَ لهم أجلًا لئن لم يبايعوا فيه ليحرقنَّهم، وحبسَهم في زمزم.
فأرسلوا إلى المختار، وأخبرُوه بالحال، وقالوا: قد تَواعَدَنا بالقتل والحريق، فلا تخذُلُونا كما خذلتُم الحسين وأهلَ بيته.
فلما وصل كتابُه (?) إلى المختار؛ جمع الشيعة، وقرأ عليهم الكتاب وقال: هذا كتاب مهديِّكم وصريحُ أهل بيت نبيّكم - صلى الله عليه وسلم -، وقد أصبح محصورًا ينتظرُ القتل والحريق. وقال: لستُ أَبا إسحاق إن لم أنصره نصرًا مؤزَّرًا. ثم سجع فقال: وأُسَرِّبُ إليهم الخيل في إثر الخيل، كالسَّيلِ يتلُوه السَّيل، حتَّى يَحُلَّ بابنِ الكاهليَّة الوَيل.
ثم جهَّز إليهم أَبا عبد الله الجَدَليّ، وظَبْيَان بن عثمان (?) التَّمِيمِيّ، وعُمير بن طارق، وغيرهم، في مئة وخمسين فارسًا أوَّلَا فأوَّل (?)، ويُسمَّوْن الخشبيَّة؛ لأنهم كانوا يقاتلون بالخشب، فقدموا مكة وهم ينادون: يَا لثَارات الحسين. فأَتَوْا زمزم وقد أعدَّ ابنُ الزُّبير