وقال أبو اليقظان: هربَ عمرو إلى أذربيجان، فنزل على رجل من بَجِيلةَ، وكان مريضًا، فماتَ عنده، فقطعَ رَأْسَه، وبعثَ به إلى الموصل إلى عبد الرحمن (?)، فبعث به إلى معاوية (?).
وقال الحسنُ بنُ سفيان: بعث معاويةُ الطلبَ خَلْفَه، فدخل غارًا وفيه حَيَّةٌ، فلسعَتْه، فمات، فقطعوا رَأْسَه وحملوه إلى معاوية.
وقال أبو القاسم بن عساكر (?): لما وضعوا رَأسَه بين يَدَي معاوية قال: اذهبوا فضَعوه في حِجْرِ بنتِ الشَّريدِ (?)، يعني زوجةَ عمرو، واسمُها آمنة، وكانت محبوسةً بدمشق، فلمّا أَلْقَوْه في حِجْرِها ارتاعت، ثم لَثَمَتْ فاه، وبكت طويلًا وقالت: غَيَّبْتُموه عني زمانًا طويلًا، ثم أهديتُموه إليَّ قتيلًا، فأهلًا به من هديَّةٍ غير قاليةٍ ولا مَقْلِيَّةٍ. واضَيعتاه بدار هوان.
ثم قالت: اللهم العن ابنَ هِنْد. وسبَّته سبًّا قَبيحًا. وبلغه، فأحضَرَها وقال: أنْتِ صاحبةُ الكلام؟ فقالت وهي غير فَزِعةٍ ولا مُرتاعة: نعم.
وكان عنده إياس بن شُرَحْبيل -وكان في شِدْقِهِ نُتوءٌ كأنَّه عَظْمٌ لعِظَمِ لسانِه- فقال له: اقتُلْها، فما زَوْجُها بأحق للقَتْلِ منها، فقالت له: وَيحَكَ! بين شِدقَيك مثل جُثمان (?) الضفدع وأَنْتَ تَأمر بقتلي {إِنْ تُرِيدُ إلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 19] فضحك [معاوية] والجماعةُ، وخَجِل إياس. ثم قال لها معاويةُ: اخرجي عني، فلا أسمَعُ لك في الشامِ بذِكْرٍ. فقالت: واللهِ ما الشامُ لي بوطن، ولا يُعَرجُ عليَّ فيه (?) حميم ولا سَكَن، ولقد عَظُمَتْ فيه مُصيبتي، ولا قَرَّت به عَيني، وما أنا إليكَ بعائدة، ولا حيثُ كنتُ بحامدة. فقال معاوية: ابعثُوا إليها بما تقطعون به لسانَها عنّا، وتَتَوصَّلُ به إلى أهلها. فخرجت تقصد الكوفة، فلما بلغت إلى حمصَ ماتت.