وقال ابنُ سعد: حدَّثنا الفضل بن دُكَيْن بإسناده عن إبراهيم بن جرير، عن أبيه قال (?): بعث إليَّ عليٌّ ابنَ عباس والأشعث بنَ قيس؛ قال: فأَتَياتي وأنا بقَرقِيسياء، فقالا: إنَّ أميرَ المؤمنين يُقْرِئُك السلامَ، ويُخبرك أنَّه نِعمَ ما أراكَ اللهُ من مُفارقتِك مُعاويةَ، وإنَّني أُنزلك منزلةَ نبيّ اللهِ التي أنزلكَها. فقال لهما جرير: إنَّ نبيَّ الله بعثني إلى اليمن أُقاتلُهم وأدعوهم [إلى الإسلام]، فإذا قالوا: لا إله إلّا الله؛ حَرُمَتْ أموالُهم ودِماؤهم، ولا أُقاتِلُ رجلًا يقول: لا إله إلّا الله أبدًا. فرجعا على ذلك.
قلت: وقد ذكرنا أن عليًّا - عليه السلام - بعثه رسولًا إلى مُعاوية عند عَوْدِه من وَقْعةِ الجمل، وأنَّ الأشتر اتَّهمه بالميل إلى معاوية (?). وانقطاعُه بقَرقِيسِياء يدلُّ على براءة ساحته، وأنَّه لم يكن له مَيلٌ إلى معاوية.
وذكر ابنُ عساكر أن جريرًا هرب إلى معاوية، فجاء أمير المؤمنين، فوقف على داره بالكوفة، وأمر بهدمها، فناشده أولادُه الله فتركها.
وقد ذكرنا طرفًا من هذا في سنة ستّ وثلاثين عند بَعْثِ عليّ - عليه السلام - جريرًا إلى معاوية.
وقال ابنُ سعد: شهد جريرٌ جِسْرَ أبي عُبَيد، فلما قُتِلَ أبو عُبَيد جاء المثنى بن حارثة وجرير بنُ عبد الله بمن بقي من الناس. وقد ذكرنا أن عمرَ - رضي الله عنه - أمدَّ سعد بن أبي وقاص بجرير بن عبد الله في وقعة القادسية (?).
ذِكْرُ وفاته:
حكى ابن سعد عن الواقديِّ قال: لم يَزَلْ جرير معتَزِلًا لعليّ ومعاويةَ بالجزيرة ونواحيها حتى تُوفي بالسراة (?) في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة، وكانت ولايته سنتين ونصف بعد زياد بن أبي سفيان. ولم يذكر ابن سعد تاريخ وفاته.