وقد ذكرنا أنه وفد عدى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأكرمه وأجازه وقال: "هذا سيِّدُ أهلِ الوَبَر".
وقال هشام: كان جَوادًا حليمًا، وإليه انتهى الحِلْمُ في زمانه.
حدَّثنا عبد الوهَّاب بنُ علي الصوفيّ بإسناده عن أبي عثمان المازني قال: سمعتُ الأصمعيَّ يقول: سمعتُ أبا عمرو بنَ العلاء يقول: قيل للأحنف بنِ قيس: مِمَّن تعلَّمْتَ الحِلْمَ؟ قال: من قيس بن عاصم، بينا نحن جلوسٌ عنده إذ جاءت خادمٌ بسَفُّودٍ (?) فيه شِواء، وبين يديه ولدٌ صغيرٌ له، فوقع السَّفُّود من يَدها على الولدِ، فَنَشَّ (?) ومات، فبُهتت الجاريةُ، فقال لها قيس: لا بَأْسَ عليكِ، أَنْتِ حرَّةٌ لوجه الله تعالى (?).
وبالإسناد عن أبي عمرو بن العلاء قال: قيل للأَحنفِ بن قيس: مِمَّن تعلَّمْتَ الحِلْمَ؟ قال: من قَيس بن عاصم: بَينا نحن جلوس عنده وهو قاعد مُحْتبٍ بفِناءِ بيتِه بكِسائِه، إذ جاء جماعةٌ قد أقبلوا وفيهم مقتول وآخَرُ مكتوف، فقالوا: هذا ابنُك مقتول، قتله ابنُ أَخيك، وهو المكتوف، قال: فوالله ما حلَّ حَبْوَتَه، ولا قطعَ كلامه حتى فرغ منه، ثم التفت إلى ابنٍ له فقال: وارِ أخاكَ، واحمل إلى أُمِّه مئةً من الإبل، فإنَّها غريبة، وأطلق ابنَ عمِّك، ثم قال لابنِ أخيه: قَطَعْتَ رَحِمَك، وقَلَّلْتَ عددَكَ، فلا أَبعد الله غيرك. ثم قال:
إني امرؤٌ لا شائنٌ حَسَبي ... دَنَسٌ يُغَيِّرُه ولا أَفْنُ
من مِنْقَرٍ في بيتِ مَكْرُمَةٍ ... والغُصْنُ يَنْبتُ حوله الغُصْنُ
خُطباءُ حين يقولُ قائلهم ... بيضُ الوجوه أَعِزَّةٌ لُسْنُ
لا يَفْطَنُون لِعيبِ جارهمُ ... وهُمُ لِحُسْنِ جوارِه فُطْقُ
وقد ذكرنا أنه مِمَّن أَسلمَ من العرب، ورجع إلى بلاد قومه (?).