عمرو؟ " فقلتُ: أَردتُ أن أشترطَ، قال: فقال: "تشترط ماذا؟ " فقلتُ: أَن يُغْفَرَ لي، فقال: "أَما علمتَ يا عمرو أَنَّ" الإسلام يهدمُ ما كان قبله، وأنَّ الهجرةَ تهدِمُ ما كان قبلها، وأَنَّ الحجَّ يهدمُ ما كان قبلَه؟ " فقد رأيتُني ما من إحدٍ من الناسِ أحبَّ إليَّ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أَجلَّ في عيني منه، ولو سُئِلْتُ أن أنعتَه ما أطَقْتُ، لأني لم أكن أُطيقُ أن أَملأ عيني منه إجلالًا له، فلو مِتُّ على تلك الطبقةِ رجوتُ أن أكونَ من أهل الجنة، ثم وَلِينا أشياءَ بعد، فلستُ أدري ما أنا فيها وما حالي فيها.

فإذا أنا مِتُّ فلا تصحبني نائحةٌ ولا نار، وإذا دفنتموني فَسُنُّوا الترابَ عليَّ سَنًّا، فإذا فرغتُم من قبري فامكثوا عندي قَدْرَ ما تُنْحَرُ جَزورٌ ويُقسَّم لَحمُها، فإني أستأنسُ بكم حتى أعلم ماذا أُراجع به رُسُلَ ربّي.

قلت: وقد أخرج مسلم بمعناه وأحمد في "المسند" طريقًا لبعضه.

فأما مسلمٌ فقال: حدثنا محمد بن المثنى بإسناده عن ابن شُماسة المَهْريّ، وذكره بعينه ولم يَقُل فيه: قد كُنْتُ على أَطباق ثلاث، ولم ينقص منه سوى هذه اللفظة (?).

انفرد بإخراجه مسلم.

وأما الطريقُ الذي أخرجه أحمد في "المسند" لبعضِه فقال: حدثنا عفَّان، عن الأسود بن شيبان قال: حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب قال: جَزِع عمرو بن العاص عند الموت جَزَعًا شديدًا، فلما رأى ذلك ابنُه عبد الله قال له: يا أَبَة، ما هذا الجَزَعُ وقد كان رسول الله صلى الله عليه يُدْنِيك ويستعملك؟ قال: يا بنيّ، قد كان ذلك، وإني واللهِ ما أَدري، أَحُبًّا كان ذلك أم تألُّفًا كان يتألّفني، ولكني أشهدُ على رَجُلين أنَّه فارق الدنيا وهو يُحبُّهما: ابن سُميَّةَ، وابن أُمِّ عبد. فلما جَدَّ بِهِ (?)، وضع يده موضع الغُلِّ من ذقنه وقال: اللهمَّ إنك أَمَرْتَنا فتركنا، ونهيتنا فركبنا. ولا يسعنا إلا مغفرتُك. فكانت تلك هِجِّيراه حتى مات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015