وحكى ابن سعدٍ عن حُذيفة قال: كان الإسلامُ في أيامِ عمر لا يَزيدُ إلّا إقبالًا، وفي روايةٍ: كان الإسلام كالرَّجُلِ المقبِل، فلما ولَّى عمرُ صار كالرجلِ المُدْبِر، لا يَزدادُ إلا إدبارًا (?).
حدَّثنا غير واحدٍ عن محمد بن أبي القاسم بإسناده، عن ابن عمر، عن عمر قال: قال لي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كيف بك يا عُمر إذا صِرتَ في أربعةِ أذرُعٍ من الأرض في ذِراعين، ونزل عليك مُنكر ونكير فتّانا القَبرِ، يَبحثان الأرضَ بأنيابهما، ويُطارُ في أشعارِهما، أصواتُهما كالرَّعدِ القاصفِ، وأبصارهما كالبَرقِ الخاطفِ، معهما مِرْزَبَةٌ لو اجتمع عليها أهلُ الأرضِ لم يُطيقوا رفعَها، هي أيسرُ عليهما من عصاي هذه، يَضربانِ العبدَ بها ضَربَةً لو ضَرَبا بها جبال تِهامةَ لذابتْ؟ " قال: فقلتُ: يا رسولَ اللَّه، وأكون على حالتي هذه؟ قال: "نعم"، فقلت: إذًا أكفيكَهما. ذكر جدّي رحمه اللَّه هذا الحديثَ في بعضِ مجالسهِ، ثم قال: بلغني أنَّ عمر رُؤي في المنامِ، فقيل لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ فقال: لما نزل عليَّ الملَكان أجلساني، وقالا: مَن ربُّكَ؟ فجذبتُ بذُؤابتَيْهما وقلتُ: بل أنتُما مَن ربُّكما (?)؟
قال ابنُ سعدٍ بإسنادهِ عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن العباس قال: كان العباسُ خِلًّا أو خليلًا لعمر، فلما أُصيبَ عمرُ جعل يدعو اللَّه أن يُريَه عمرَ في المنامِ، قال: فرآه بعد حَوْلٍ وهو يَمسحُ العَرَقَ عن وَجهه، فقال: ما فعلتَ؟ وفي روايةٍ: ما فعل بك ربُّك؟ قال: هذا أوانُ فَرغتُ، إن كاد عرشي ليُهَدّ [أو] ليهوي بي لولا أني لقيتُه رؤوفًا رحيمًا (?).
وفي روايةِ هشام أن العباس رآه بعد عشر سنين، أو اثنتي عشرة سنةً، مَكشوفَ الرأْسِ يعدو ويقول: الآنَ أَفلتُّ من الحسابِ، أكثر من زمانِ ولايته.