فلما انتصف الليل وتحاجز الناس، رجع أبو محجن، فدخل القصر ووضع رجليه في قيده.

قال ابن سيرين: وكان لا يزال يشرب الخمر، فكان يُجلد فيها، فلما أكثر عليهم حبسوه وأوثقوه، فلما كان يوم القادسية فعل ما فعل، وجاء سعد فقالت له سلمى: كيف كان قتالُكم اليوم؟ فجعل يَصف لها حتى قال: فبعث اللَّه رجلًا على فَرسٍ أَبْلَق، لولا أني تركتُ أبا محجن في قيده لقلتُ إنها شمائلُه، فخَرق الصفوف، وفعل وفعل، فقالت: واللَّه إنه لأبو محجن، وقَصَّت عليه القصّة، فدعاه وحلَّ عنه قُيودَه، وقال: واللَّه لا نَجلِدُك في الخمر أبدًا، فقال أبو محجن: واللَّه لا أَشربُها أبدًا؛ لأني كنتُ آنف أن أدَعها من أجل جَلْدكم، وكنتُ أشربُها إذ يُقام عليَّ الحدّ فأطهَّرُ منها، أما إذا بَهْرَجْتَني، فواللَّه لا أشربُها أبدًا.

وقال سيف: قالت امرأةُ سعد لأبي محجن: لِمَ حبسك هذا الرجل؟ فقال: واللَّه ما حبسني على حرامٍ أكلتُه، ولكني صاحبُ شَراب، وأنا امرؤٌ شاعر يَدبُّ الشعرُ على لساني، فقلت: [من الطويل]

إذا متُّ فادفِنِّي إلى ظلِّ كَرمةٍ ... تُروّي عظامي بعد مَوتي عُروقُها

ولا تدفِنَنّي بالفَلاة فإنني ... أخافُ إذا ما متُّ ألا أذوقُها

فحبسني سعد لهذا، فأخبرت سلمى سعدًا، فقال له: اذهب، فلستُ أُواخِذُك على شيءٍ تقولُه بعدها حتى تَفعلَه، فقال: لا جَرَم، لا أُجيبُ لساني إلى صفة قبيحة أبدًا (?).

دخل ابن أبي محجن على معاوية بن أبي سفيان، فقال له: أبوك القائل: [من الطويل]

إذا متُّ فادفِنّي إلى ظلِّ كَرمةٍ

فقال: لو شئتَ لذكرتَ من شعره غير هذا، قال: وما هو؟ قال: قولُه: [من البسيط]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015