ثم هجم عليه أبوه يومًا وهو يقول: [من الطويل]
أَعاتِكُ لا أنساكِ ما ذرَّ شارِقٌ ... وما ناح قُمْرِيُّ الحمام المُطَوَّقُ
ولم أر مثلي طلَّق اليومَ مثلَها ... ولا مثلَها في غير جُرْمٍ يُطَلَّقُ
لها خُلُقٌ جَزْلٌ وحِلْمٌ ومَنْصِبٌ ... وخَلْقٌ سَوِيٌّ في الحياة ومَصْدَقُ (?)
فرقَّ له أبوه وأمره برجعتها فقال: [من الطويل]
أَعاتِكُ قد طُلَّقْتِ من غير رِيبةٍ ... ورُوجِعتِ للأمر الذي هو كائنُ
كذلك أمرُ الله غادٍ ورائحٌ ... على الناس فيه إِلفةٌ وتَبايُنُ
وما زال قلبي للتَّفرُّقِ طائرًا ... وقلبي لما قد قَرّب الله ساكنُ
ليَهْنِكِ أني لا أرى فيك سَخْطَةً ... وأنك قد تمّتْ عليك المحاسنُ
وأنك ممّن زيَّن الله وجهَه ... وليس لوَجْهٍ زيَّن اللهُ شائنُ (?)
قال: ولما مات رَثَتْه وبكت عليه وقالت: [من الطويل]
رُزِئتُ بخيرِ الناس بعد نبيّهم ... وبعد أبي بكرٍ وما كان قَصَّرا
فآلَيْتُ لا تنفكُّ عيني حزينةً ... عليك ولا ينفكُّ جلديَ أَغبرا
فلله عينا مَن رأى قطُّ مثلَه ... أكرَّ وأَحمى في الهِياج وأَصبرا
إذا أُشرِعت فيه الأَسِنّةُ خاضَها ... إلى الموت حتى يَتركَ النّقع أحمرا (?)
قلتُ: وقد ذكر أبو تمام في "الحماسة" ثلاثة أبياتٍ، منها هذه، أولها:
آليتُ لا تنفكُّ عيني حزينةً .... إلى آخرها (?).
ثم خطبها عمر بن الخطاب فتزوّجته، فعمل وَليمةً، فحضرها عليٌّ عليه السلام، وقال لعمر: ائذن لعاتكة أن تُكلِّمني. فأذِن لها، فمال إليها عليٌّ وقال: يا عُدَيَّةُ نفسِها: فآليت لا تنفكُّ عيني حزينةً