فأجابه، فعرض عليه أشياء مما يشتهي مسيلمة، وقال له خالد: إن قَبِلنا النّصف فأيَّ الأنصاف تُعطينا؟ فكان إذا هَمَّ بجوابه أعرض بوجهه مُستشيرًا، فينهاه شيطانُه أن يَفعل، فأعرض عنه بوجهه مرَّةً من تلك المِرار، فركبه خالد فأَرهقه فأدبر.

وقُتل من أهل اليمامة في ذلك اليوم عشرون ألفًا، ومن المسلمين ألف ومئتان، منهم سبعون من القراء أعيان، وقيل: مئة، فبينا هم كذلك إذ جاءهم كتابُ أبي بكر إلى خالد يقول فيه: إن افتتحتَ اليمامة عَنوة فلا تَدعَنَّ بها غلامًا أَنبتَ من بني حنيفة إلا ضربتَ عُنُقه، فلما قدم الرسول بالكتاب وجده قد صالح، فامتنع خالد وقال: أَبعد الصُّلح؟

ولما فرغ خالد من أمر بني حَنيفة خطب إلى مُجَّاعة ابنته، فقال له: أتتزوَّجُ النّساء وحولك من المسلمين ألف ومئتا دم؟ ! إن القاطِعَ لظهرك عند صاحبك إنما هو تزويجُ النّساء، فألحَّ عليه فزوَّجه إياها، وبلغ أبا بكر، فكتب إليه: إنك لفارغُ القلب، تتزوَّجُ النّساء وحولك ألف ومئتا دمٍ من المسلمين لم تَجفَّ بعد، فإذا جاءك كتابي هذا فالْحَقْ بمَن معك من جموع الشام إلى العراق، فلما قرأ خالد كتابَه قال: هذه من عَمل الأُعَيْسِر، يعني عمر بن الخطاب.

قال ابن إسحاق: وكان سببُ تجهيز خالد إلى العراق [أن] أبا بكر ما زال يبعث الأُمراءَ إلى الشام والقبائل؛ حتى ظن أنهم قد اكتَفوا، وأنهم لا يريدون أن يزدادوا رجلًا، فكانوا يُغيرون على أطراف الشام.

وكان المثنَّى بنُ حارثة الشَّيبانيّ يُغير على أهل فارس بالسَّواد، وكان بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قدم على أبي بكر، فأسلم في رَهْطٍ من قومه، وحَسُنَ إسلامه، وتفقَّه، ثم استأذن أبا بكر فقال: إنا أناس قد نزلنا بين أرض العرب والعجم من أبناء فارس، وقد قاتلناهم فأَظْهَرَنا الله عليهم، ولي عشيرةٌ أولو بأسٍ وعَدد، فاجعلْ لهم أشياءَ أستميلُهم بها إذا رجعتُ إليهم، فإنه مَنظورٌ إليَّ وإلى ما أرجع به، قال: وما الذي تريد؟ قال: أن تَعقِدَ لي على قومي ومَن اتَّبعني، وأن تَجعلَ لنا ما أَصَبْنا من الغنائم من أهل فارس، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: فذلك لك ولمن اتَّبعك من المسلمين، وتُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، ثم أذن له فخرج حتى نزل مياه بني بكر بن وائل، فأخبرهم بإسلامه وما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015