قال قتادة: فكنا نتحدَّث أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وأصحابِه: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (?) الآية [المائدة: 54].
لما فرغ خالد من أسد وغطفان ومَن وافقهم ورد البُطاح، فوجد مالك بن نُويرة قد فرَّقهم في أموالهم، ونهاهم عن الاجتماع، وقال: يا بني يربوع، قد دعانا أمراؤنا إلى دين محمد فخالفْناهم، فلم نُفلِح ولم نُنْجِح، وإني نظرتُ في أمر هؤلاء القوم، فوجدتُه يتأتَّى لهم بغير سياسة، فإياكم ومناوأةَ قوم صُنع لهم أمرُهم، فتفرَّقوا إلى دياركم، وادخلوا في هذا الدّين، فتفرَّق الناسُ على ذلك، وعاد مالك، فنزل موضعه.
وقدم خالد البُطاح، فبثَّ السرايا، وكان خالد لا يُغير حتى يَقرب الصُّبحُ، فإن سمع أذانًا كف، وإلا أغار، فأتوه بمالك بن نويرة في نفر من قومه بني يَربوع، فسأل عنهم خالد هل أَذَّنوا؟ فقال أبو قتادة الأنصاري وكان معهم: نعم قد أَذَّنوا وسمعتُهم، وسكت البعض، فحبسهم خالد، وكانت ليلةً قَرَّة، لا يقوم لبردها شيء، فلما كان في بعض الليل نادى منادي خالد: أَدْفِئوا أَسراكم، وكان في لغة كنانة إذا قال الرجل: أَدفئوا الرجل فإنه يكون من الدِّفء، وفي لغة هُذَيل معناه القَتلُ (?)، وسمع خالد الواعية، فخرج وقد فرغوا منهم، فقال خالد: إذا أراد الله أمرًا أصابه، فقال له أبو قتادة الأنصاري: هذا رأيُك وعملُك.
وقال عروة بن الزبير: لما فرغ خالد من يوم بُزاخة وانهزم طُليحة أعلن خالد أنه سائر إلى أرض بني تميم، فانخزلت عنه الأنصار وقالوا: ما عهد إلينا أبو بكر في ذلك، فقال خالد: بلى قد عهد إليّ، ولستُ بالذي أَستكرهكم، أنا أسير بمن معي من المهاجرين وقبائل العرب، فسار مَنْقَلَةً أو مَنقلَتين، فندمت الأنصار، وقال بعضهم