والذين أسَّسوا مسجد الضِّرار كانوا خمسة عشر رجلًا (?)، فأنزل الله تعالى فيهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا} الآية [التوبة: 107].
وقال الثعلبي: أمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ ذلك المسجد كناسة يلقى فيها الجِيفُ والنَّتنُ والقُمامةُ.
ومات أبو عامر بالشام وحيدًا فريدًا غريبًا، وفيه يقول كعب بن مالك: [من الوافر]
معاذ الله من فعلٍ خبيثٍ ... كسَعيكَ في العَشيرةِ عبد عمروٍ
وقُلْتَ بأنَّ لي شَرفًا وذِكرًا ... فَقِدْمًا بِعْتَ إيمانًا بكُفْرِ
وقال الثعلبي: سأل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلًا منهم: بماذا أعَنْتَ في هذا المسجد؟ قال: بسارية، فقال عمر - رضي الله عنه -: أبشر بها في عنقك في نار جهنم.
وروي: أن بني عمرو بن عوف الذي بَنَوا مسجدَ قُباء سألوا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه في خلافته ليأذن لمجمِّع بن جارية أن يَؤُمَّ بهم في مسجدهم فقال: لا ولا نِعْمة، أليس بإمامِ المسجد الضِّرار؟ فقال له مجمِّع: لا يا أمير المؤمنين، فوالله لقد صلَّيْتُ وأنا لا أعلم ما أضْمَروا عليه ولو علمت ما صلَّيتُ فيه، كنت غُلامًا قارِئًا للقُرآنِ وكانوا شُيوخًا قد عَشَوْا لا يقرؤون من القرآن شيئًا، وكنت أظنهم يتقرَّبون إلى الله ولم أعلم بما في نفوسهم. فعذره عمر رضوان الله عليه وصدقه وأمره بالصلاة في مسجد قُباء (?).
وروي عن ابن عباس، أن المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى مسجد قباء. وروي أنه مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقدم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة يومَ الخميس عاشر رمضان، فبدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين وجلس، وكان قد تخلَّف عنه رَهْطٌ من المسلمين والمنافقين، فصفحَ عن المنافقين ولم يَعْذِرْ مَنْ تخلَّف من المسلمين إلا من كان عاجزًا، ومدح ذوي الأعذار من المسلمين.