مائها ولا تتَوضَّؤا منه للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه فأعلِفُوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئًا" ثم ارتحل حتى نزل على البئرِ التي كانت تشرب منها الناقة، وأسرع الناسُ إلى دخولِ الحِجْر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تَدخُلونَ على قومٍ غَضِبَ اللهُ عليهم؟ ".
ولما نهاهم عن الشُّربِ من مياه الحجر قال: "لا يَخرجنَّ أَحدُ منكم اللَّيلةَ إلا وَمَعه صاحبٌ له" ففعل الناس ما أمرهم به، إلا رجلين من بني ساعدة، خرجَ أحدهما لحاجته، والآخَرُ في طلب [بعيرٍ له، فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خُنِقَ، وأما الذي ذهب في طلب] بعيره فاحتَملته الريحُ فطرحَتْه بجبلِ طيّء، فأُخْبِرَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أَلَم أَنهكَمُ أَن يخرجَ رَجلٌ منكم إلا وَمَعه آخَرُ" ثم دعا لِلَّذي خُنِقَ فشفي، وأما الآخر فإن طيِّئًا أهدته للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما قَدِم من تبوك (?).
وأصبح الناسُ في طريق تبوك على غير ماء، فشكَوْا إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - العطشَ. قال عبد الله بن أبي حدرد: فرأيته استقبل القبلةَ فدعا، ولا والله ما رأيت في السماء سحابًا، فما برح يدعو حتى إني لأَنْظُرُ إلى السحاب يتألف من كل ناحية، فما رامَ مقامَه حتى سحَّت علينا السماءُ بالرِّواءِ، ثم كشف الله عنا السماء من ساعتها وإن الأرضُ [إلا غدر تناخس فسقى الناس وارتَوَوا] (?)، فقلتُ لرجل من المنافقين: أبقي بعد هذا شيء؟ فقال: سحابةٌ مارةٌ (?).
ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار، حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقتُه، فخرج أصحابه في طلبها وعنده عُمارةُ بنُ حَزْمٍ الأنصاري، وكان في رَحْلِ عُمارةَ زيدُ بنُ اللُّصَيْت، فقال زَيدٌ: أليس محمد يزعم أنَّه نبي ويخبركم بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمارة: "إنّ رجلًا قالَ كذا وكذا، وإني لا أعلمُ إلا ما علَّمني الله، وقد دلَّني الله عليها، وإنها في الوادي الفُلاني قد حبستها شجرة بزمامها". فانطلقوا فجاؤوا بها، فرجع عمارة إلى رحله فأُخْبِر الخبرَ فقال رجلٌ: إنَّ زَيْدًا قال هذه المقالةَ قبلَ أن يأتي، فقام إلى زيد فوجأ عنقه وقال: يا عدو الله، في رَحْلي داهيةٌ ولا أدري، اُخْرُج عني. فيقال: إن زيدًا تاب، وقيل: لم يزل مُصِرًّا حتى هلك (?) والله أعلم.