وفي جمادى الآخرة قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واثِلَةُ بن الأَسْقَعِ وهو يتجهَّزُ إلى تبوك فأسلم، ورجع إلى قومه فهجره أبوه وقال: والله لا أكلمه أبدًا، وسمعته أختُه فأسلمت وجهَّزتْهُ إلى تبوك، فلحق برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فجهزه مع خالد بن الوليد إلى أُكَيْدِر دومةَ، فجاء بسَهْمه من الغنيمةِ إلى كَعْب بن عُجْرَةَ، وكان قد حمله من المدينة إلى تبوك على جمله، وكان واثلةُ قد قال: من يَحْمِلُني وله سهمي؟ فقال له كعب: إنما حملتُك للهِ، ولم يأخذْ منه شيئًا (?).
وفيها: كانت غزاة تبوك (?).
كانت الأنباط يَقْدُمونَ المدينة من الشام بالزيت ودقيقِ الحُوَّارَى، فكانت أخبارُ الشام عند المسلمين بهذا السبب، فقدمت قادمةٌ مِنْهم فأخبروا أن الرومَ جمعت جموعًا كثيرةً بالشام، وأن هِرَقْلَ رَزَقَ أصحابه رِزْقَ سَنةٍ، وأجلبت معه لَخْم وجُذامٌ وغَسَّان وعاملةُ وغيرهم، ونزلوا البلقاء، وعسكروا بها، وتخلف هِرَقلُ بحمص، وأنه يأتي إليهم ويقصدون الحجاز.
قال الواقدي: ولم يكن شيء من ذلك ولم يكن عدوٌّ أخوف [عند المسلمين منهم]. وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغزو غزاةً إلا ورّى بغيرها لئلا تذهب الأخبارُ حتَّى كانت غزاةُ تبوك، كان الحرُّ شديدًا واستقبل سفرًا بعيدًا وعدوًا كبيرًا، فجلَّى للناسِ أمره ليتأهبوا، وأخْبَرهم بالوجه الذي يريد، واستنفر القبائل وأهل مكّةَ، ورغَّبهم في الجهادِ، وذلك في زمنِ عسْرَةٍ من الناس وجَدْبٍ من البلاد وحين طابت الثِّمارُ، فالناس يحبون المقامَ في ثمارهم وظلالهم، وتكرهُ الشُّخوصَ عنها.
وأمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بحمل الصدقات، فأول من جاء أبو بكر رضوان الله عليه بمالهِ كلَّه، وهو أربعةُ آلاف درهم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل أبقيت شيئًا"؟ قال: أبقيتُ الله ورسولَه.
وجاء عمرُ رضوان الله عليه بنصف ماله فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل أبقيت شيئًا"؟