فقال: من هؤلاء؟ قلت: كتيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: لقد أوتي ابن أخيك ملكًا عظيمًا، فقلت: ويحك إنَّما هو النبوة، فقال: نعم، فقلت: اِلحقْ بقومك فحذَّرهم، فذهب سريعًا حتَّى دخل المسجد فصرخ بأعلى صوته: يا معاشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قِبَلَ لكم به، قالوا: وما ترى؟ قال: من دخل داري فهو آمن، قالوا: ويحك فما تُغني عنا دارك؟ قال: من دخل المسجد أو أغلق بابه فهو آمن، ثم جاء ليدخل داره فقالت له هند: وراءك قبحك الله، فإنَّك شرُّ وافدٍ (?).
فإن قيل: فلم خص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار أبي سفيان؟ قلنا: لوجهين:
أحدهما: لما ذكر العباس.
والثاني: لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوذي بمكة ونالت قريش منه دخل دار أبي سفيان فأَمِنَ (?). قال الزهري: فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكافأته على ذلك وحَقْنَ دمِه، لأنَّ قلوب أصحابه - رضي الله عنهم - كانت حَرَّى عليه.
وحكى الطبري في إسلام أبي سفيان وجهًا آخر:
عن ابن عباس قال: لقي أبو سفيان بن حرب وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنيق العُقاب بين مكّة والمدينة، فحجبهما، فقالت أم سلمة: يا رسول الله، ابنُ عمك وصِهْرُكَ، تشير إلى أبي سفيان وأخيها عبد الله، فقال: "لا حاجة لي بهما بعدما قالا وفعلا" فخرج الخبر إليهما، وكان مع أبي سفيان ولدٌ له صغير فقال: والله لتأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبنَّ في الأرض حتى نموت جُوعًا وعطشًا، فأذن لهما بعدما رقَّ لهما، فلما دخلا عليه أسلما، وقال أبو سفيان أبياتًا في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها:
وهادٍ هداني غير نفسي ونالني ... مع الله من طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ
فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده في صدر أبي سفيان وقال: "أنت فعلت هذا" (?).